حين تحدث مشكلة يُشتبه أن يكون المتهم فيها من الإسلاميين، تنهال الآلة الإعلامية نهشا في الإسلاميين وفي الإسلام نفسه تحت عنوان "الإرهاب - الإرهابيين"..
اللهم اجعل كلامى وكتابتى خالصة لوجهك الكريم، اللهم لا تجعل لأحد سواك فيها نصيبا، اللهم طهرها من الرياء والعجب، والغرور والكبر، والعناد والانتصار للنفس، وحب الشهرة وحب المدح.. اللهم إن كان فيها الخير فيسرنى لها ويسر نشرها وقراءتها، وإن كان فيها الشر فأبعدنى عنها وعسرها لى واكتب لها الموت والفناء.. إنك نعم المولى ونعم النصير.
الخميس، مارس 29، 2012
عن الإعلام السافل أتحدث..
السبت، مارس 24، 2012
الشورى الإخوانية.. ليست شورى
في انتخابات البرلمان 2010 سرت دعوات المقاطعة في المشهد السياسي المصري بعد أن صار مؤكدا أنها انتخابات مزورة بعد أن أُلغي الإشراف القضائي، ولكن الجميع كان ينتظر رأي الإخوان، بما فيهم النظام، لأن الإخوان هم القوة الشعبية الوحيدة آنذاك.. أما الإخوان فقد كانوا يريدون دخول الانتخابات، ولكنهم يخشون –كالعادة- من العلمانيين وإعلامهم وصحافتهم، ولا يريدون أن يُتهموا بأنهم من أسبغ الشرعية على الانتخابات المزورة والنظام الفاسد فكان من ضمن وسائلهم لتجاوز هذا الأمر هو القول بأنهم سيستطلعون رأي قواعدهم "فالأمر شورى" ثم سينفذون ما استقرت عليه "الشورى"..
ظل الأمر شهورا والشورى تسري في القواعد حتى استقرت على المشاركة في الانتخابات بنسبة 90% تقريبا (أو أكثر، خانتني الذاكرة) فشارك الإخوان في الانتخابات!
ثم كان التزوير هائلا في المرحلة الأولى فلم يحصل الإخوان على مقعد واحد، فاتخذ الإخوان قرارا بمقاطعة ما تبقى من الانتخابات..
وعلى حين ظلت الشورى الأولى شهورا حتى جاء قرارها بالموافقة، فإن الشورى الثانية بالمقاطعة لم تستغرق سوى يومين أو ثلاثة.. وعلى حين كانت الشورى الأولى على مستوى القواعد والمحافظات فإن الشورى الثانية كانت على مستوى مكتب الإرشاد وربما مجلس الشورى..
وليس هذا إلا لأن شورى الإخوان، "عندها ساعة".. ساعة تروح، وساعة تيجي!
***
لكن.. كيف وافقت القواعد على المشاركة أول الأمر وهي تعلم بالتزوير المحقق؟ ثم استسلمت لقرار المقاطعة بعد أن حدث التزوير.. وكيف انقلب الحال من "مزايا المشاركة" إلى "مزايا المقاطعة".. ومن "قوة قرار المشاركة" إلى "قوة قرار المقاطعة"..
أذكر أني خضت جدالات كثيرة مع إخواني "منضبط" أحاول أن أقنعه بالمقاطعة ويحاول أن يقنعني بالمشاركة، ثم انتهت الجولة الأولى فعاد نفس الجدال وكان على نفس رأيه، وفي مساء ذات اليوم جاء بيان المرشد بالمقاطعة فقال فورا: قرار قوي جدا!! نظرت إليه مشفقا ولم أنطق.. فداء التبعية لا علاج له!
لا تظنوا –يا قوم- أن الأمر شورى.. لا في الإخوان ولا في الدعوة السلفية (مؤخرا) .. ولكنه يجري كالآتي:
حسابات القيادة تقول بالدخول في الانتخابات، فتعمل التعلميات النازلة في الأسر والقطاعات على تزيين هذا القرار وإبداء مزاياه، ويعمل موقع إخوان أون لاين وباقي مواقع الجماعة على نشر هذا الرأي وتسويقه ومنع الرأي الآخر تماما.. فإذا تم المطلوب أُخذت الشورى التي ستأتي بما تشتهيه القيادات.
(راجع في سياسة موقع إخوان أون لاين، اعترافات رئيس تحريره عبد الجليل الشرنوبي بعد أن استقال منه، وهي مكتوبة ومتلفزة)
***
كنت عضوا في "مجلس الكلية" (الهندسة الإلكترونية – أقوى معاقل التيار الإسلامي في مصر على الإطلاق على مستوى الكلية) ومسؤولا عن العمل العام لثلاث سنوات، ولدي الكثير من الذكريات عن "هذه الشورى".. لكن الله يعلم أني ما سكتُّ على تمرير أمر هام بدون شورى أبدا، نجحت أحيانا وأخفقت أحايين كثيرة.. وتقدمت باستقالتي مرتين وأنا في الكلية ثم عدت عن واحدة لتأثري بـ "الظروف ونقص الكوادر وأهمية المرحلة وحرج اللحظة وحاجة الدعوة... إلى آخر هذه الأسطوانة التي كانت تخدعنا".. ولم أتراجع عن الأخرى ولكني كتمتها لكي لا تتسبب في ارتباك بين صف الإخوان الطلاب (لست شخصية مؤثرة ولا فارقة ولكن طبيعة العمل الإخواني ووجودي في موقع القيادة لسنوات تجعل الكثيرين يولونني هذه النظرة عن غير استحقاق)..
ذات مرة أراد الإخوان في الجامعة تعميم نظام جديد يجمع في اللقاءات بين التربوي والإداري، وحاول مشرف الكلية تسويق هذا النظام لنا "مجلس الكلية" لكي نأخذ شورى (!) ثم نوافق عليه بالطبع (!).. اعترضت بشدة وظل يناقشني (مناقشة لم تخلو من سخرية أحيانا كثيرة.. وما أشد من السخرية على نفسي في مقام النقاش الجاد) وعلت حدة النقاش حتى قلت له "إن كان هذا النظام نازلا من الإخوان فأخبرنا مباشرة، لا أن تحاول جعلنا نوافق عليه وكأن الأمر شورى".. بعد هذه الكلمة (سيئة الأدب في المزاج الإخواني) تحولت دفة النقاش، وكنت أرقب المأزق باديا على وجه "نائب مشرف الكلية" الذي ظل صامتا طوال النقاش ولم يتوقع أن يحدث هذا..
ولأن مشرف الكلية كان رجلا عاقلا وشخصية مستقلة بالفعل وعقلية رائعة فقد أنهى النقاش في الموضوع، واتخذ شورى حقيقية انتهت إلى رفض الفكرة، فلم يطبقها.. ولكنها طبقت في الكليات الأخرى بنفس المنهج الذي كان يراد له أن يحدث!
***
في موقف آخر دخلت في احتكاك مع مسؤول الكلية وكنت أندد بضعف الشورى في قرارات كبيرة، فقال لي على انفراد: هو انا كل حاجة هاخد فيها شورى؟ يبقى انا دوري إيه؟ طرطور؟!!
في موقف آخر ومع مسؤول آخر، وكنت سكرتير الجلسة، حاول المسؤول فرض رأي بعينه والتملص من الشورى، فرفضت كتابته وإقراره وتساءلت: ما شرعية أن أكتب شيئا لم يوافق عليه هذا المجلس.. هنا فقط صرح بأن هذا القرار توجه من القطاع..
في بلد آخر تم اختراق اللائحة لتصعيد أحدهم إلى المكتب، وبُرِّر هذا بأنه للضرورة وبدافع المصلحة.. فلم يمض إلا أسبوعين حتى وقع حدث آخر أفرغ مقعدا في المكتب الإداري وكان المفترض أن تجري انتخابات، ولكن الشخص الذي كان سيصعد إلى المكتب لم يكن مرغوبا فيه، فظل المقعد شاغرا، وقال المسؤول: "احنا اللي عملنا اللايحة واحنا اللي بنغيرها"..
ستجد كثيرا من الحكايات عند من اتخذوا قرار ترك الجماعة، ممن كانوا قيادات يسمع لهم ويشار إليهم، حتى إذا خرجوا صاروا من "المتساقطين على طريق الدعوة"..
***
معظم الشخصيات المشار إليها في هذا المقال شخصيات رائعة، وبذلت في سبيل نصرة الدين أغلى ما لديها، وتعرضت بالفعل لاختبارات قاسية وعنيفة: مادية ومعنوية، وذاقت الجوع والخوف، ولم تعش شبابها المنفلت الماجن، بل عاشت شبابا في العمل والجد والاجتهاد والتعرض للبطش والفصل والاعتقال..
وهم لا يتحملون المسؤولية وحدهم، وليسوا شريرين أو متآمرين، ولكنه مزيج من سلبيات العمل السري وطبيعة العدو واختفاء الحريات، يجعل الأمر عملا تحت الضرورة تقل فيه الشفافية وتكثر فيه القيود وتؤثر الطبائع الشخصية على مسارات العمل وتكاد تختفي فرص المراجعة والتصحيح..
الهدف من هذا المقال ليس نقد الإخوان ولا نقد الشخصيات.. بل هو بوضوح نقد "الشورى" المزعومة التي تُرفع كشعار، ويستعان بها كدين يتعبد به.. وهو الأمر الذي يعتنقه في العادة من لم يمارس قيادة مؤثرة في مكاتب الجماعة، فهو يظن أن الأمر يجري على خير ما يرام، وأن قرار الشورى قد اتخذ بكل شفافية وبعد دراسة علمية لكل الاحتمالات عبر أكفاء متخصصين.. والأمر ليس كذلك على الإطلاق!
ومن عاين مثل هذه الأمور هو فقط من يعرف أكثر من هذا..
ومن جرب علي كذبا من قبل، فهو مدعو لأن يلقي هذا المقال في أقرب سلة مهملات
موظف الحكومة.. لا يصنع التاريخ
أسوأ ما يمكن أن ينزل بالإنسان أن يعمل موظفا في الحكومة، فالعمل في الحكومة يعطي مزية واحدة وينزع كل صفات الموظف وخصاله الحميدة، حتى يصير موظف الحكومة الشريف شيئا نادرا!
لا يأخذ موظف الحكومة إلا ميزة "الأمان الوظيفي" حيث لا يستطيع أحد أن يفصله من عمله إلا بعد إجراءات طويلة ومعقدة، ولكنه يفقد أمام هذه الميزة أشياء كثيرة، أهمها: أنه سيعيش حبيسا بين جدران وظيفة تكفيه بالكاد ولا توفر له أبدا الحياة الكريمة، وهي تعوِّده على نمط بعينه من الحياة، فيصير مع الوقت غير مستعد أبدا لتجريب نمط غيره، ينحصر في إطار الوظيفة، يفقد القدرة على المغامرة أو المخاطرة أو اقتناص الفرص، لا يفكر خارج الصندوق المحيط به.. كل ما يتمناه: زيادة المكافأة، الحافز، انتظار السنوات حتى الترقي والانتقال من درجة إلى أخرى..
وكل هذا يُعوِّده أن يكون موظفا مطيعا، يهتف "عاش الملك مات الملك"، لا يبالي كثيرا بصحة أو خطأ السياسات المتبعة.. يهمه فحسب أن تكون واضحة وآمنة، لئلا يصطدم بها عن دون قصد، ولئلا يجد نفسه فجأة من المغضوب عليهم.. ومع كل ترقي من درجة إلى أخرى، يزداد الموظف استعلاء واستئسادا على من دونه، ويزداد طاعة وتقربا لمن فوقه، حتى يمضي عمره وقد صار خبيرا في شيء واحد فقط: دهاليز الوظيفة وقوانينها!
كم من الشخصيات التي أعرفها، قاومت أن تكون فاسدة في النظام الحكومي، ولكنها لم تستطع أن تقاوم النمط الحكومي.. فهو رغم طاقته الهائلة في العمل وإخلاصه الشديد وتحريه للأمانة والتقوى أصبح فاقدا للقدرة على المرونة، لا يمكن أن يفكر خارج الصندوق، لا يضحي بانهيار الأمان ولا يفكر في اقتناص فرصة أو المخاطرة في مشروع، وكم من خسارات نزلت بالأمة والوطن وبهم أنفسهم جراء هذه الصفات التي جعلت الإنسان أقرب إلى الآلة "سمعا.. وطاعة".
***
الموظف الحكومي يبذل الطاقة نفسها التي يبذلها صاحب المشروع، وربما أكثر.. ولكن لأن المسارات مختلفة فالنتائج جد مختلفة..
الموظف الحكومي يعيش تحت ضغط نفسي رهيب في ترتيب مصاريف البيت والأولاد والدروس الخصوصية، ويشارك في الجمعيات الشهرية، ويتفنن في اقتطاع المصاريف من هنا ليسد الثغرة هناك، ومن هنالك ليسد الثغرة هنا، وربما يعمل بعد عمله الحكومي في عمل آخر خاص أو أكثر.. وقليل هم من يستطيعون بهذا الوضع أن يعيشوا حياة كريمة..
وهو رغم هذا المجهود العظيم لا يستطيع أن يضحي بالعمل الوظيفي الآمن ليفعل مثل صديقه الآخر الذي ترك العمل الحكومي وبدأ في مشروع خاص وتعود على المخاطرة والمغامرة، فأحيانا يكسب وأحيانا يخسر، لكنه في النهاية وبعد عدد من السنين يحقق أضعاف دخل الموظف الحكومي ويتيح لنفسه وأولاده حياة أفضل، وهو غير مشغول بالقرش والجنيه بل هو مشغول بالصفقة.. وقد لا يهتز إن خسر في صفقة مبلغا كبيرا بل يفكر في تعويضه من صفقة أخرى.. بينما موظف الحكومة يقصم ظهره إن تم تخفيض الحافز بضعة جنيهات.. فحياته المرتبة بصعوبة لا تحتمل أي ارتباك!
***
قد يستطيع الموظف تكوين ثروة.. يضع الجنيه فوق الجنيه والقرش فوق القرش ويتفنن في ألا ينفق إلا الحد الأدنى المطلوب، وهو في رحلة تكوين الثروة هذه يترقب الحافز والمكافأة وساعات العمل الإضافية.. هذه الثروة لا تقارن بالآخر الذي يحققها عبر الفرص، عبر المخاطرة، عبر الصفقة التي تنقله من حال إلى حال، ومن وضع إلى وضع آخر..
وبينما هذا يترقى درجة درجة بناء على نمط محسوب وآمن في وظيفته.. فهذا يقفز قفزا!
حتى جاءت اللحظة الفاصلة.. استطاع المستثمر أن يشتري الشركة التي يعمل بها صديقه الموظف الحكومي بعد ثلاثين سنة في صفقة من الصفقات، وضاع إلى الأبد حلم الموظف في أن يكون مديرا لقطاع في هذه الشركة أو عضوا في مجلس إدارتها..
***
لقد جاء الزمن بمتغيرات أربكت النمط الرتيب المحسوب الذي كان يمضي فيه، وظهر في الأفق رجل من خارج السياق تماما، كم رماه بالفشل والتهور والاندفاع وتعريض نفسه للخطر والديون والسجون..
وعلى رغم النجاح المتكرر للرجل إلا أن هذا لم يدفعه أبدا لترك حياته الرتيبة الملتزمة بقوانين جائرة، فبدأ في السكوت، ثم بدأ يبرر لنفسه أن الحياة تحتمل العديد من الاتجاهات: هذا اتجاهي وهذا اتجاهه ونحن ننشد نفس الهدف، واتجاهاتنا المختلفة تثري الحياة ولا تتعارض..
لكن نجاح الرجل يتزايد، وهنا بدأ السكوت يتحول مرة أخرى إلى هجوم عليه وعلى مسيرته.. وبينما كان الهجوم الأول، هجوم الواثق من نفسه ومن فشل الطرف الآخر والتحدي بأن الزمن سيثبت من أصح طريقا.. جاء هذا الهجوم الثاني من موقع المنافسة ومستشعرا بخطورة ما تحققه نجاحات الرجل على الخطة الرتيبة التي بدأت منذ ثلاثين سنة، والتي وُضِعت خطوة خطوة وسارت محسوبة جنيها وقرشا..
***
إذا وصلت إلى هذا السطر، وكنت عارفا بالوضع الحالي على الساحة الإسلامية.. فستعرف لماذا يقف "أصحاب الكيانات الإسلامية" تحديدا موقف المعارضة والهجوم من حازم صلاح أبو إسماعيل.
كلمة السر في المخاطرة.. والأمان!
في التقاط الفرص التاريخية والإمساك بها.. والسير وراء الخطة الرتيبة الآمنة!
فيمن يرى هدفا واضحا يسعى إليه فلا تهزه تغيرات التفاصيل.. وفيمن يرى خطة واضحة ومحسوبة لا تحتمل تغير التفاصيل..
***
قال المفكر والفيلسوف الفرنسي الكبير العلامة جوستاف لوبون ما معناه: إن الحالمين فقط هم من يكتبون التاريخ وينشئون الدول والديانات.. ولو كان العقل –لا الحلم- هو الذي يسود العالم لكان للتاريخ مجرى آخر.. أصحاب الحلم وحدهم – لا ذوي التفكير البارد من الفلاسفة والمفكرين- هم من يقودون الناس وينشئون الدول ويصنعون التاريخ.
نشر في رابطة النهضة والإصلاح