الأربعاء، أكتوبر 25، 2017

جريمة القصاص من أبطال التعذيب الوطني!

"من أين لأسير الاستبداد أن يكون صاحب ناموس، وهو كالحيوان المملوك العنان، يُقاد حيث يُراد، ويعيش كالريش، يهبُّ، حيث يهبُّ الريح، لا نظام ولا إرادة؟ وما هي الإرادة؟ هي أمُّ الأخلاق"
الكواكبي
***

لم يُعرف حتى الآن الجهة التي قامت بعملية الواحات التي أسفرت عن إبادة صفوة من ضباط أمن الدولة وضباط القوات الخاصة في أكبر عملية في تاريخ جهاز أمن الدولة المصري. ومع ذلك فالتوقع الذي ينطلق منه الجميع لمناقشة الموضوع أنها حركة إسلامية جهادية.

لا بأس.. سننطلق مع الجميع من هذه النقطة لنحاول فهم المواقف الغريبة التي تدين عملية الواحات وتصف من سقطوا فيها بالشهداء.

إن كانت المجموعة من الإسلاميين فماذا بإمكان أي إسلامي في دولة مثل مصر أن يفعل الآن للاعتراض على النظام الحاكم؟!

نظام عسكري، انقلب على الديمقراطية واختيار الشعب، وبدأ عصر المذابح والمجازر غير المسبوقة، وافتتح عهد الإعدامات الجماعية لدرجة أن أحد قضاته حكم بالإعدام على أكثر من ستمائة في جلسة واحدة، لا مجال لممارسة معارضة سياسية، لا صحف ولا قنوات معارضة مسموح بها، بل منظمات حقوق الإنسان العلمانية نفسها جرى إغلاقها وإجبار رموزها –العلمانيين المؤيدين للانقلاب العسكري- على البقاء في البيوت، المظاهرات السلمية ووجهت بالنار، الاعتصامات السلمية هوجمت بالمدرعات والطائرات والقناصة. اللجوء للنائب العام أو القضاء لاستعادة الحقوق في مصر هو محض خرافة وبلاهة، لا يكاد يمر الأسبوع حتى تسمع بحادثة تصفية بلا محاكمات!

ماذا بقي أمام من يعارض النظام أن يفعل؟!

الغريب أن من كتبوا وأكثروا من الكتابة محذرين ومنبهين: العنف يولد العنف، والضغط يولد الانفجار، وسد المنافذ أمام المعارضة يحولها إلى العمل السري المسلح.. إلخ. الغريب أن هؤلاء طفقوا يدينون عملية الواحات!! كيف يُلام من ليس أمامه إلا سبيل واحد فسلكه؟!

***
لا خيل عندك تهديها ولا مالُ .. فليُسْعِد النطق إن لم يُسْعد الحال
المتنبي
***

وأولئك الذين قُتلوا في العملية هم أبشع أدوات النظام العسكري وأشدها وحشية وشراسة.. هم الذين يرتكبون جرائم التعذيب والتصفية والإخفاء القسري ويكتبون الأحكام القضائية ثم يبلغونها للقاضي "الشامخ" عبر الهاتف، فيمارس الأخير وظيفته في تحويل رغبتهم إلى صياغة قانونية تنتهي إلى قتل الناس أو حبسهم بالمؤبدات. ترى في أي تنظير ثوري وُصِف جنود الديكتاتورية ورموز جرائمها بأنهم شهداء؟!

ثم إنهم خرجوا في عملية سيمارسون فيها القتل أيضا، أي أن التوصيف الخالي من أي نظرة أخلاقية ومن أي اعتبار آخر يفضي إلى أن مجموعة من القتلة واجهوا مجموعة أخرى فتغلبت إحداهما على الأخرى.. لا معنى هنا لأي توصيف يجعلهم شهداء.. حتى بالتوصيف القانوني العلماني الوطني نفسه، لقد كانت مهمتهم خارج إطار القانون وضماناته، ولم يكونوا ليلتزموا مع ضحاياهم –إن ظفروا بهم- بأية ضمانات قانونية أو حتى أعراف أخلاقية!

ومن يدري؟ لربما كانت هذه المجموعة –المجهولة حتى لحظة كتابة هذه السطور، والتي ما زلنا نتوقع مع المتوقعين أنهم حركة جهادية- من ضحايا التعذيب والسجون على يد نفس تلك المجموعة من ضباط أمن الدولة والقوات الخاصة.. في أي عرف أخلاقي يمكن إدانة ضحية التعذيب إن وجد فرصة للانتقام ممن عذبه وضيع سنوات عمره خلف السجون، وربما ارتكب فوق هذا ما لا يُعرف ولا يُكشف عنه من ترويع الأهل وانتهاك الحرمات.. في أي عرف يمكن إدانة هذا؟!

***
"وأحذرك من الدماء، والدخول فيها والتقلُّد لها، فإن الدم لا ينام"
صلاح الدين الأيوبي
***

بعض الشباب تعرف في وجوه الضباط على من عذبوهم ونشروا شهاداتهم على ما وقع عليهم.. وهو غيض من فيض وقطرة من بحر! ولكم جرت في الليالي دموع الأمهات والزوجات والأبناء، وكم خرجت الدعوات المحترقة المكتومة المقهورة تشكو إلى الله ضعف القوة وقلة الحيلة والهوان على الناس والعجز أمام فجور السلطة التي لا تتعامل مع البشر إلا كحشرات تسحقهم بلا تردد ولا حتى شعور بألم في الضمير!

هل صار اقتصاص المظلوم المقهور الذي أغلقت أمامه كل الأبواب جريمة مُدانة؟!

هل صارت ممارسة التعذيب والقتل عملا وطنيا بطوليا يوصف مرتكبوه بالشهداء؟!

إن كثيرا من المحسوبين على صف الثورة يسكنهم في أعماق نفوسهم وفي تلافيف عقولهم منطق وفلسفة النظام الذي يزعمون انهم يثورون عليه! بل هذا في الحقيقة هو أهم وأخطر أسباب إخفاق الثورة حتى الآن، لقد تم تسليم الثورة لجيش النظام (بزعم أنه المؤسسة الوطنية وعمود الخيمة!) ولقضاء النظام (الشامخ النزيه) بل ولإعلام النظام (بدعوى حرية الإعلام) ثم لشرطة النظام (المحمولين على الأعناق في ثورة 30 يونيو).. فما النتيجة؟!

النتيجة: عاد النظام بأشرس وأغلظ وأقبح مما كان، وسكن الثوار السجون والقبور والمنافي!

المدهش أن بعض الناس في السجون والمنافي لا زالوا يفكرون بعد كل ما نزل بهم، بنفس المنطق الذي فكروا به ليلة التنحي ولا كأن انقلابا كان ولا كأن بحار دماء قد سالت!

ولست أدري أهو جهل بطبيعة الثورات ومقاومة الأنظمة المستبدة من آثار التعليم الفاسد الذي نتعاطاه في مدارس وصحف وكتب النظام؟ أم هي أزمة نفسية لمن لم يعرف في حياته سوى ممارسة المعارضة بالمقالات والهاشتجات وكان أخطر ما قام به اعتصام سلمي يوما ما؟!

ألا من كان مُسْتنًا في ثورته بأحد فليستنَّ بثوار نجحوا.. فلا يُلدغ المؤمن من "نخبة" واحدة مرتين!

***
"الاستبداد يستولي على تلك العقول الضعيفة فضلاً عن الأجسام فيفسدها كما يريد، ويتغلّب على تلك الأذهان الضئيلة، فيشوش فيها الحقائق، بل البديهيات كما يهوى"

الكواكبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق