الاثنين، نوفمبر 23، 2009

الحركات الإسلامية؛ انسحاب وتراجع أم عودة للتربية 3/3

اقرأ أولا:

الحركات الإسلامية .. انسحاب وتراجع أم عودة للتربية (1/3)

الحركات الإسلامية .. انسحاب وتراجع أم عودة للتربية (2/3)

لقد بدأت في كتابة هذا الموضوع قبل شهر (في يوم 25 أكتوبر 2009) ثم تعطلت عنه لبعض ظروف، وكنت أود أن أعلق به على تصريحات صادرة عن الإخوان الذين يلمحون إلى أن السياسة أخذت أكثر مما ينبغي وأن لابد من الاهتمام أكثر بالتربية، وهي التصريحات التي يبدو أنها تستبق ما سيحدث من تزوير في الانتخابات القادمة ثم ستسخدم في التقليل من شأن خسران مقاعد البرلمان “فنحن في النهاية جماعة تربوية إصلاحية من وسائلها السياسة فإن حُرِمنا منها فلا بأس”.

وكذلك على ما نشر في الحلقة الأخيرة من مذكرات شيخ المدرسة السلفية السكندرية الشيخ ياسر برهامي، وفيها قال بأن الوقت الحالي لا ضرورة فيه لتعليم البنات في الجامعة لأن المفاسد المترتبة على دخول الجامعة والاختلاط فيها أكبر بكثير من مكاسب الحصول على شهادة ليست لها قيمة حقيقية إلا الوجاهة الاجتماعية.

وبالمناسبة فإني أرى أن هذا الرأي وجيه فعلا وله ما يبرره ولست أستنكره من حيث المبدأ.

ولكن …

المشكلة الحقيقة والفاعلة ومكمن الأزمة أن هذه هي النتائج التي أوصلنا إليها الوهم القائل بأنه يمكن عبر الوعظ واجتذاب الأنظار وتصحيح الوعي والتربية (وكل هذا يتم بالإمكانات المحدودة التي لا تذكر بجانب إمكانات الأعداء الجبارة في الإفساد) أن تزيد رقعة الصالحين في المجتمع وأن يظل الصلاح ينمو والفساد ينحسر حتى يأتي وعد الله بالنصر.

لقد ثبت بعد السنين أن الصلاح هو الذي ينحسر وتصيبه الآفات، وأن الفساد هو الذي ينمو ويتكاثر، وأن معركة الصلاح مع الفساد تنتج مجتمعا فاسدا مغطى بحجاب أو لحية، يكثر فيه المتبرجة بحجاب والمصلي الذي يأخذ الرشوة والضابط الذي يعذب الناس ثم يهيم في طريقة صوفية، هذا ما سميته في موضوع فائت (المجتمع الإسلامي المشوه - 2 - 3).

ولكن منذ شهر وحتى لحظة كتابة هذه السطور (23 نوفمبر 2009) بدا بوضوح وصراحة أشد ما كان ظهر لي قبل شهر.

لقد ظهرت مبادرتان من الإخوان، ومقالان –هما في قيمة البيان- للمدرسة السلفية السكندرية، جميعهم يبدو فيه الفشل واضحا ومعترفا به وإن كان عند الإخوان أوضح لأنه في الحقيقة أشجع ولا يجيدون تلبيس المواقف السياسية ثوب الشرع كما يجيد هذا السلفيون.. وسأقول كيف بعد قليل.

صدرت عن الدكتور عصام العريان مبادرة مفادها أن التنظيم بشكله الحالي غير ذي جدوى وأن الأفضل هو أن يتحول إلى مجرد تنسيق بين العاملين في الإصلاح، فإن هذا يزيل التخوف الأمني ويفتح طريقا أوسع أمام الأعمال الخيرية ويحرر الموهوبين والمتميزين من قيود التنظيم وأعبائه .. إنها ببساطة دعوة لحل الجماعة أو شكلها الحالي على الأقل.

والثانية كانت أكثر وضوحا وصراحة فقد كانت للدكتور محمد البلتاجي وفيها يعرض بوضوح التخلي تماما عن الجانب السياسي والانسحاب منه والتفرغ للأعمال التربوية وترك السياسة لأهلها حتى التدخل لدعم مرشح على حساب آخر في مقابل العمل في الساحة الدعوية والتربوية بأمان.

القيمة الأولى لهاتين المبادرتين أنهما يعبران عن نتائج كل الطريق السابق عند من اجترأ وحاول أن يفكر خارج الصندوق الإخواني المغلق الذي يفضل السير في الطريق الذي هو فيه مغلق العيون والآذان واثقا –لا أدري كيف- أن هناك لحظة ستتغير فيها الأمور لصالح الحق ولقلب الباطل.

أما القيمة الثانية فهي التعبير عن أن الجماعة صارت تعاني أزمة حقيقية تبحث عن حل، كما أنها صارت بلا أوراق ضغط على الإطلاق فهي لا تفعل إلا تستجدي الدولة بطلب الأمان وفقط وبتنازل عن ثوابت كبرى عبر الفكر الإخواني كله.

وأما المقالين السلفييْن فالأول للشيخ ياسر برهامي بعنوان “المشاركة السياسية وموازين القوى” وقال فيه بوضوح إن اللعبة السياسية الحالية لا تسمح بمشاركة السلفيين، لأنها تتطلب التنازل عن ثوابت إسلامية لا يمكن بحال التنازل عنها، وأن تاريخ من دخلوا اللعبة السياسية (يقصد الإخوان) يفيد بأنهم قدموا التنازلات ولم يحصلوا على ثمرة (وهو صادق في هذا حقا).

ولكن الشيخ برهامي لم يطرح حلا، ولا أفصح كيف يجب أن تتعامل الحركة الإسلامية مع هذا الواقع المر؟ لقد فضل الانسحاب من كل هذه اللعبة السياسية التي لا تسمح بدخول الحركات الإسلامية.

هذا الانسحاب برره وأوضحه أكثر المقالُ الثاني وهو للشيخ عبد المنعم الشحات الذي يبدو منظر المدرسة السلفية السكندرية وقال بأن هذا الانسحاب هو الرأي الشرعي الصحيح (!!) واستدعى موقفا تاريخيا مليئا بالالتباس من سيرة الإخوان وهو موقف رفض الهضيبي للقانون المدني السنهوري (وهذا الموقف في حقيقة الأمر حجة عليه لا حجة له ولكن لهذا الحديث مقام آخر).

ثم قال بأن منهج الحركة السلفية دعوة الناس حكاما ومحكومين(!!)

ولست أدري هل يخدع نفسه أم يخدعنا؟ وعذرا لهذه الألفاظ القاسية ولكنها أفضل ما استطعت أن أجد. ماذا نسمي داعية مثقفا (أشهد أنه كذلك) متابعا للحال والواقع (أشهد أيضا بهذا) يريد أن يقنعنا بعد كل هذه السنين مع المحكومين وبعد كل هذه التجارب مع الحكام أنه بالوعظ والدعوة قد يصلح حال الحكام والمحكومين؟

وإذا، فما حاولت أن أثبته من أن منهج الاكتفاء بالوعظ والتوعية والتربية يفضي بنا إلى الانسحاب والتقوقع والتراجع أكثر أمام مواكب الفساد، لم يحتج إلا إلى شهر واحد لكي يكون واضحا وصريحا وصادرا عن فم القيادات الإسلامية ذاتها.

ولكن.. ألا يعني الانسحاب أن الإسلام لا يملك حلا لمثل هذه المواقف؟ وأن الشرع الذي طالما تغنينا أنه قادر على استيعاب المستجدات قد أصبح عاجزا خالي الوفاض؟ وأن الأعداء قد استطاعوا إنشاء أنظمة سياسية وشبكات قانونية وأحوال واقعية ضربت الإسلام في مقتل فلا يحر أمامها جوابا؟؟؟

وصحيح أن تجربة دخول الإخوان في السياسة لم تأت بثمرة ذات قيمة، ولكن هل هذا لخطأ في دخولها أصلا، أم لأنهم لم يكونوا أكفاء لخوضها؟

ليكن هذا أو ذاك: ألا يخبرنا أحدكم ثمرته ذات القيمة التي لم تمسسها نجاسة السياسة من قريب ولا من بعيد؟؟

هناك تعليقان (2):

  1. سبحان الله

    أترى ما وصلنا إليه بعد شهر واحد من كتابة آخر سطور هذه السلسلة الجميلة

    فعلاً كانت هذه الحركات (إخوان وسلفيين) ستنتكس لولا أن قضى الله أمراً آخر

    أظن أنه وجب عليك كتابة مقال رابع يصف تحديات المرحلة الحالية أمام الحركة الإسلامية عامة

    وهو بالمناسبة الموضوع الذي كنت قد بدأته في سلسلتي "الحركة الإسلامية والفرصة التاريخية الثالثة" ولم أكمله حتى الآن

    سعدت بالقراءة لك فبرغم قربك من الإخوان وقربي من السلفية أشعر أن كلانا ينتمي لما هو أكبر وهو الإسلام بعيداً عن التحزب

    بارك الله فيك وأدام المودة بيننا

    ردحذف
  2. آمين يارب.. أدام الله المودة دائما..

    ونعم نحن ننتمي إلى الإسلام قبل كل شيء، وهذه التصانيف إنما هي اختلاف تنوع أدانا إليها اجتهادنا في البحث عما هو الأولى والأنفع لا أكثر..

    بانتظار مقالاتك عن الفرصة التاريخية الثالثة :)

    جزاك الله خيرا كثيرا وبارك الله فيك دائما :)

    ردحذف