الثلاثاء، نوفمبر 29، 2005

مغامرتى يوم الانتخابات

كانت فكرة فى غاية الطرافة اقترحها صديق ، أن نراقب انتخابات الإعادة للبرلمان ، ولانعتمد فيها على أخبار الصحف والفضائيات والمعارضة.

لكن الفكرة تحمل فى جوفها خطر الموت ، وأخطار الإصابة ، واحتمالات لاتنتهى خصوصا لو وقعت فى يد واحدة من المسجلات آداب التى تستعين بهم الحكومة على أبواب اللجان ... لكن كل هذا لايقاوم طرافة الفكرة وأهميتها .

لكن كيف نراقب الانتخابات ، خصوصا ونحن لانجيد أساليب الصحافة والتصوير من خفاء ، وتجاربنا المتواضعة السابقة لاتبشر بخير فى هذا المجال ، كما أنها لاترقى لمثل أهمية انتخابات البرلمان ، والانتخابات بعد ايام .. ماذا نفعل ؟؟

كانت تجاربنا السابقة تقتصر على تصوير مشاهد لتدخل الأمن فى الجامعة ، أو لبعض طلاب الأمن فى الجامعة وهم يتلقون التعليمات أو أو .... لكن الحقيقة ، أن كل الصور التى التقطناها بمجهود صعب ، لم تكن صورا صريحة بحيث يفهم الناظر إليها مانود أن يصل له .

والانتخابات لاتحتمل المخاطرة بمثل هذا المستوى ، ولايمكن أن نستعين بصحفيين لأنهم سيكونون مشغولين بطبيعة الحال فى التغطية ، كما أن أحوالنا المالية لاتساعد على التأجير .

طرح صديق ( كنا خمسة ) فكرة أن نطلب عضوية أحد منظمات حقوق الإنسان ، ونحمل منها تفويضا يسمح لنا بمراقبة الانتخابات .... فكرة عبقرية .

حاولنا الحصول على تصريح من منظمة حقوق الإنسان لكننا لم نوفق فى هذا ، مما زاد من صعوبة الموضوع ، لكن أحد الأصدقاء استطاع من خلال أكثر من اتصال الوصول إلى أحد مندوبى مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز ( وهو مركز يديره المحامى الإخوانى عبد المنعم عبد المقصود ) لكن صديقنا لم يكن يعرف هذه المعلومة ، وتيسرت السبل أمامه حتى استطاع الحصول على تفويض من المركز ، وكذلك بطاقات عضوية لنا لمراقبة الانتخابات .

اتصل بى يكاد يطير من الفرح ، يخبرنى بأنه حصل على العضوية لنا ولم يبق إلا ان يأخذ صورنا ، ويملأ استمارات و ... إلخ من الأمور الروتينية .

رغم ماحمله هذا الاتصال من نبأ سار ، إلا أن ماحمله من مخاوف كانت أكثر .. إذ أننا فى هذه الحالة مسؤولون عن عمل يتبع مركزا قانونيا ، ومطالبون بتقرير فورى لغرفة العمليات المركزية ، ومعرضون للتقييم على مجهودنا الذى قد يكون ضعيفا ، وقليل الخبرة ، وهذا عمل نمارسه لأول مرة ، ومنه سيكون جسم تقرير المركز .

هذا غير تبعية المركز ( الغير مباشرة ) للإخوان المسلمين ، بكل ما يحمله هذا من احتمالات غير سارة .

لكن السيف سبق العذل .

فى ليلة الانتخابات ، قسمنا أنفسنا مجموعتين ، مجموعة فى مركز الشهداء ، والأخرى فى مركز منوف ( محافظة المنوفية ) ، ووضعنا خطة سريعة وساذجة لمراقبة الانتخابات ، وكيف سنتعامل مع القضاة ورؤساء اللجان ، ورجال الأمن ... كذلك البلطجية ومسجلات آداب ، ورجال الحزب الوطنى ، وكذلك رجال الإخوان الذين قد يظنون لأول وهلة أننا تابعون لهم .

وانطلقنا فى صباح اليوم التالى ( يوم الانتخابات ) .

-------------------------------

هنا سأحكى ما حدث معى ، مؤجلا ماحدث مع الزملاء إلى المشاركة القادمة ، لكن ما لا أطيق صبرا على إخفائه ، أنى حظيت باحترام وتقدير كافة الجهات بشكل لم أتوقعه ، فى حين حصل زملائى فى مركز الشهداء على كمية رائعة من الضرب بالعصى والشوم والأحجار والمطاردة ، واصيبوا جميعا بكدمات وجروح ، وتمزيق ملابس فى أحد مشاهد أفلام العنف المصرية التى تنتجها السيدة الفاضلة ( نزيهة ) .

كان معنا كاميرا فيديو ، وكاميرا ديجيتال ، و جهاز mp3 ( كنت استعمله لأول مرة - وهو لمن لايعرف جهاز فى حجم قلمين حبر يسجل صوتيا فترة طويلة لأن ذاكرته 1 mega ) .

بدأنا جولتنا بعد الاتفاق مع تاكسى على الدوران بنا فى أرجاء المركز الذى يحوى أكبر كتلة تصويتية فى المنوفية ، ويشمل مراكز منوف ، وسرس الليان ، ومدينة السادات ... غير ان استقراء الواقع اثبت أننا لن نستطيع مراقبة مايتعدى دائرة منوف فقط .

بدأنا من مدرسة الثانوية بنات ، وهى لجنة نسائية ، تقع بالقرب من بنك مصر بمدينة منوف ، ودخلنا اللجان ، بهدوء ... ليس هناك اعتراض من الأمن ، ولا من رؤساء اللجان .. ولم تكن الانتخابات قد بدأت بعد ، لكن اطمأننا على وجود الحبر الفسفورى ، والصناديق الزجاجية المغلقة ، ووجود الكشوف ، وعدم وجود دعاية داخل اللجان ، وغيرها من الأشياء المعروفة .

لدى خروجنا من المدرسة ، وجدنا بعض مندوبى الإخوان المسلمين ، يشيرون لنا بأن هناك نساء مسجلات خطر تحرشوا بالنساء فى المرة السابقة ، وهم يتحفزون الآن لتكرار الوضع ، ودلونا عليهم ..

وجدنا بعض النساء اللاتى لم ينتظرن أن نقترب منهم لنسألهم إلا وكانت إخحداهن تفتعل مشاجرة مع فتاة من الإخوان ، ويشتد التجمهر ، وبسرعة أخرج صديقنا كاميرا الفيديو ، واقترب ليصور المشهد فوجد عملاقين بشريين يحاولان منعه من التصوير ويريدون خطف الكاميرات ، واشتعلت مشاجرة عنيفة ، فى الوقت التى انتهت فيه مشاجرة النساء ، لم ينقدنا منها إلا شباب الإخوان المتواجدون .

ولأنى ضعيف البنية بطبيعتى ، أخذتها فرصة لإجراء حوار مع السيدة التى كادت تكون فى الملحمة ، غير أن جهلى بجهاز الـ mp3 جعلنى لا أسجل الحوار ، فضاع منى ... رغم أنه حوار قيم يكشف تفاصيل كثيرة ، منها ما رتبه الحزب الوطنى فى الانتخابات السابقة .

كانت فكرة ظريفة أن أترك تليفونى لمندوبى الإخوان أمام اللجان المختلفة حتى إذا حدث أى شئ أستطيع تغطيته تم الاتصال بى .

** أفلتنا بفضل الله من المشاجرة ، وفكرنا فى البدء من القرى والنجوع التى تحيط بالمركز ، ثم نترك المركز نفسه إلى آخر النهار .


* سنجرج

بدأنا جولتنا من قرية سنجرج التابع لمركز منوف ، وبمجرد أن نزلنا ، كان الوضع يبدو هادئا جدا ، لاحظت وجود زحام أمام مقر اللجنة مما يشى بارتفاع نسبة التصويت ، مع هذا الهدوء صعد صديقى لمتابعة اللجان وظللت أنا أجرى حوارات واطمئن على سير الانتخابات .

أخبرنى شباب الإخوان أن الحزب الوطنى يشترى الصوت هنا بـ 30 جنيها للفرد ، وهناك حالات بعينها ، طلبت منهم شاهد عيان يحكى لى ماحدث ، فلم يجدوا .. غير أن احدهم اشار لى على رجل قال إنه تابع للحزب الوطنى يوزع الأموال .

نسيت أن اقول لكم إننى وصديقى كنا نرتدى البدل والكرافتات ، ونعلق كارنيهات المركز ، ونبدو لأول وهلة - خصوصا لدى البسطاء من اهل هذه القرى - من الباشوات والواصلين .

تتبعت الرجل ، فوجدته يأخذ الناخبين إلى داخل غرفة بمركز الشباب المطور بسنجرج ، لا أدرى ماذا يفعل ، لكنى لا حظت أن كثيرا ممن خرج من مقر اللجنة كان يذهب إليه وفى عينيه انه ينتظر منه شيئا .

أحس الرجل بأنى أراقبه ، فلم يفعل أى شئ .. وظللنا على هذا الحال فترة ، أيقنت فيها أنى لن أحصل على الحقيقة بهذا الأسلوب .

فكرت فى حيلة أخرى : وجدت امرأة فى منتصف الأربعينات من عمرها ، بسيطة المظهر ، فلاحة أثرت الشمس على لون بشرتها ، وأثر الفقر على ملابسها ، خارجة من اللجنة وبيدها ورقة الدعاية للحزب الوطنى .

تسللت سريعا من خلف المدرسة ( مقر اللجنة ) لأقابلها على الطرف الآخر ، مدعيا أننى من الحزب الوطنى من القاهرة ، ودار بيننا هذا الحوار :

- ايه ياحاجة ، مش ها تنتخبى ولا إيه ؟
- ما أنا انتخبت يا أستاذ
- اخترت الجمل ؟
- أيوه
- وخدت حقك ولا لسه ؟
- حق إيه يابيه ؟
- حقك علشان اخترت الجمل .
- ايوه أخدته
- خدت كام ؟
- 30 جنيه .

صحت فى استنكار :
- 30 جنيه بس ، ده هم واخدين لكل واحد خمسين جنيه
- لا والله يابيه هم 30 جنيه بس
- يمكن يكونوا بيدوا للراجل 60 وللست 30 ؟؟
- لا يابيه .. الراجل برضه 30 ... انا خدت فلوسى امبارح بالليل ، وقالوا لى هاتى جوزك ينتخب وانا رايحة أجيبه .

(( الحوار مسجل صوتيا ، بالـ mp3 ))

*****

تركتها عند هذا الحد ، وتوجهت مرة أخرى إلى مقر اللجنة ، وجدت فتاة من فتيات الإخوان تنادينى وتخبرنى بأن بعض شباب الحزب الوطنى يضايقونهن بالعبارات الجارحة ... فأوضحت لها أنى لست صاحب سلطة ، أنا مراقب فقط .


*****

لم اكد افرغ إلا وجدت أخرى من الإخوان تاتينى بسيدات يردن أن ينتخبن ليحصلن على الـ 30 جنيه ، وكان زميلى فى هذه اللحظة قد أنهيا مهمتهما داخل اللجان ، ودار بيننا حوار على أننا صحفيين ( لكن السيدات البسيطات ظنونا من الحزب الذى يعطى المال ) ، والحوار مسجل بالفيديو .. اعترفت فيه السيدات بأنهن أخذن 30 جنيها ، والبعض قد اخذ بطاطين وكسوة .. وأنهن أتين معهن بمن لم يأخذ من العائلة كى يأخذوا أيضا .

حاولنا معرفة اسم من كان يوزع المال عليهم بالأمس ، لكنهن لم يعرفن الاسم .

** نسيت أن اخبركم ان انتخابات الإعادة كانت تجرى بين أيمن معاذ ( مرشح الوطنى ) و عبد الفتاح عيد ( مرشح الإخوان ) ... ( معاذ - الجمل ) ( عبد الفتاح - الساعة ) .

فلا تستغربوا إن تحدثنا فيما بعد بـ ( الجمل والساعة ) .

********

بعدما أخذنا ما نريد من سنجرج ، وأخبرنى زميلى ( أحمد سليمان ، محمد الديسطى ) باستقرار الأوضاع داخل اللجان ، انطلقنا إلى منشية سلطان ، وهلا بلد ( أيمن معاذ - مرشح الوطنى - الجمل ).

*******

كان مقعد الفئات بهذه الدائرة قد حسم لصالح أحمد عز رجل الحديد منذ الجولة الأولى .


منشية سلطان

بمجرد وصولنا إلى قرية منشية سلطان ، التابعة لمركز منوف ، وهى بلد مرشح الحزب الوطنى .. دخلنا المدرسة مقر اللجنة ، فاستقبلنا رجل فى منتصف الأربعينيات ، متسائلا بكل أدب : من نحن ؟ ، فأوضحنا له أننا من منظمة لحقوق الإنسان .

وسرعان ما تطورت اللهجة ، بالترحيب الشديد ، والثناء الرائع وتلك المهمة السامية التى تؤديها منظمات حقوق الإنسان ، ثم عرفنى بنفسه ( إبراهيم الشاعر - حزب وطنى ) .. اقترحت عليه إجراء حوار مسجل لكنه رفض .

سألته ما اخبار الانتخابات وكيف تسير ، وهل هناك أى ضغوط على الناخبين أو رشاوى انتخابية أو بلطجة أو ... إلخ .

فنفى كل هذا نفيا تاما ، وأشاد بمدى النزاهة والشفافية والحرية والديمقراطية و ... إلخ .

كم كنت أتمنى التسجيل مع هذا الرجل ، فلهجته النفاقية فى غاية الروعة ، كالذين تراهم فى التلفاز تماما تماما .. لكنه رفض .، واتهم ( الجماعات الإسلامية ) وهذا لفظه بشراء الأصوات فى الجولة الأولى مقابل 20 جنيها للصوت الواحد ، وأنه تأكد من هذا بنفسه .

انتهى حوارى مع إبراهيم الشاعر الذى أخبرنى ايضا أنه كان عضوا لمنظمة حقوق الإنسان فى الممر المؤدى إلى فناء المدرسة .

كان قد تجمع حولى العديد من الناس ، فطلبت من احدهم أن اقابل واحدا من الإخوان وأجرى معه حوارا ، فاقتادنى شاب فى الثامنة عشرة من عمره تقريبا إلى مسؤول الإخوان هناك وهو مسؤول ( لألأسف لا أتذكر اسمه - لكن الحوار مسجل صوتيا ) ، نفى فيه نفيا تاما وجود رشاوى من قبل الإخوان .

سألته عن شعار ( الإسلام هو الحل ) الذى يفرق بين ابناء الأمة ، فرد الرد المعتاد لأفراد الجماعة ، سألته كذلك عن نسبة مشاركة النساء .

لكى أريح نفسى واريحكم .

كانت أسئلتى الأساسية لجميع الذين قابلتهم فى هذا اليوم هى :
- نتعرف بيك ؟
- احك ما حدث معك ( إذا كان شاهدا على أى واقعة )
- وإذا لم يكن .. ما رأيك فى العملية الانتخابية ؟
- واجهت أى ضغوط ؟
- هل حاول أى طرف الضغط عليك إما بالمال أو بالتهديد ؟
- كيف جرت الانتخابات معك ؟
- هل كان التصويت سريا ؟
- مدى سهولة وجود اسمك فى الكشوف الانتخابية ؟
- الحبر الفسفورى ؟
- رايك فى شعار ( الإسلام هو الحل ) ؟
- هل انتخبت أمك أو اختك أو زوجتك أو ابنتك ؟
- ماتفسيرك لانخفاض ( أو ارتفاع ) المشاركة النسائية ؟
- مدى حياد الأمن .

مع اسئلة اخرى تابعة لمجرى الحوار ، وحسب كل حالة .


سألت المهندس مسؤول الإخوان عن هذا ، لكن يبدو أن وقفتى وسط الإخوان أثارت أعضاء الحزب الوطنى الذين ما إن غادرت الإخوان ، وأحاول إجراء أى حوار مع أى مخلوق حتى يهيج شخص اسمه ( عصام ... ) من أقطاب الوطنى ، يريد فض الناس من حولى ، وكدنا ندخل فى مشاجرة .

طلبت منه أن اجرى حوارا معه هو ، فزادت عصبيته ، و قال : مشغول مشغول ، مفيش حوارات دلوقتى .. بلا حوارات بلا كلام فاضى ... الساعة 6 ابقى اعمل معاك حوار .

وكلما حاولت إجراء حوار مع أى إنسان جاء وفض الناس من حولى .

اهتديت لرجل يبدو محترما ، لقيته امام مقر اللجنة التى هربت إليها من مطاردة عصام هذا ، وأجريت معه حوارا سريعا ، لم يكد يبدأ حتى أتى مخبر يطالبنا بالابتعاد عن مقر اللجنة ، كان عنيفا وحادا .. ولما ابتعدنا ، وأجريت مع الرجل حوارا ، اتضح أنه من الحزب الوطنى فى المنشية واسمه ( اسماعيل زيتون ... أو زيدون ) وكان هادئا ورزينا واشاد بالعملية الانتخابية ... ولما حاول انصار الوطنى فضه من حولى ، قال لهم : دول مالهومش دعوة بحاجة ، دول من حقوق افنسان ، من زمايلى ... فابتعد عنا أعضاء الوطنى .

لم أكد أنهى معه أسئلة بسيطة حتى جاء مخبر يخبره بأن تليفونا يطلبه ، فى حركة واضحة بأنه يريد أن يبتعد عنى ، وكنت قد أنهيت كلامى معه بالفعل ، فتركته شاكرا .

وفى الحوار نفى الرجل أن يكون الإخوان دفعوا 20 جنيه للصوت فى الجولة الأولى .

وهذا الحوار مسجل صوتيا .

وكلما كنا نقتب من أى أحد كان يفضه من حولنا عصام واتباع عصام ... فلم نجد بدا من الخروج من اللجنة وإنهاء عملنا هنا .

لقيت فى الخروج إبراهيم الشاعر ، فسألته معاتبا ما وجدناه من عدم ترحيب من اعضاء الوطنى ، ورد بطريقته النفاقية : معلش يابيه .. اصل هم مايعرفوش المهمة السامية والواجب العظيم الذى تقوم به حقوق الإنسان ، والأستاذ عصام متحمس للمرشح لكنه غيور .. متزعلش منه .

شكرته منصرفا ، فرفض ، وأصر على أن نتناول الإفطار ، وأن هذا لايصح ابدا و ... إلخ .

لكننا أفهمناه أنه لابد من المرور على بقية اللجان .

كان صديقى قد أنهيا عملهما ، داخل اللجان وسجلا هذه الملاحظات :

- وجود دعاية لمرشح الحزب الوطنى داخل اللجان
- تلطيخ كل دعاية مرشح الإخوان بالقرية .

** ثم انصرفنا إلى ( ميت ربيعة - الحامول ) .


الحامول
ميت ربيعة

انطلقنا بعد ذلك إلى قرية ميت ربيعة ،

وهناك وجدنا إقبالا ضعيفا جدا على اللجنة ، وبمجرد أن دخلنا اللجنة ، منع المقدم التصوير بتاتا ، وأصر على عدم استعمال أو حتى الاحتفاظ بالكاميرات .. ورفضنا من قبلنا تسليم الكاميرات ، وإزاء رفضه ورفضنا .. اقترح ان يمسكها هو ويظل معنا ، وكان الحل الوحيد المتاح .

دخلنا إلى اللجنة الأولى والثانية ، فوجدنا صندوقا مفتوحا ، لفتنا نظر رئيس اللجنة الذى اضطرب للحظة ، ثم أمر بغلقه .. حاول أحد أمناء اللجنة أن يجادل ، لكن رئيس اللجنة امره بإغلاقه وسجلنا هذا فى ملاحظاتنا .

لاحظنا كذلك ، وجود عضو مجلس الشورى السيد ابو حسين ، موجودا بفناء اللجنة ، انتبهنا له فى خروجنا ، وبمجرد ان اقتربنا منه أزاح واخفى أوراقا كانت أمامه ، وكان حوله عدد من أنصار الوطنى ... ولا يوجد أى مندوب لمرشح الإخوان باللجنة .

ورفض الحوار والتسجيل معه .

وكان الوضع بهذه الدائرة غير مطمئن على الإطلاق :

- منع التصوير
- رفض الحوارات
- الإقبال الضعيف
- الصندوق المفتوح
- وجود عضو مجلس شورى يجبر الناخبين على التصويت للوطنى ، وهو ماتضح من الصناديق التى كانت الأوراق بداخلها كلها لصالح الوطنى .
- إزاحة الأوراق التى كانت أمام عضو الشورى .
- عدم وجود أى مندوب لمرشح الإخوان المسلمين .

تركنا اللجنة ، منطلقين إلى القرية التى تليها ( كفر رماح ) ، وما كدنا نبتعد عن اللجنة حتى اوقفنا أحد ابناء القرية ، وهو رجل فى الأربعين من عمره تقريبا ، وأخبرنا أن هذه الدائرة يوجد بها ضغوط على الناخبين وتهديدات لهم وإجبارهم على انتخاب الوطنى ... ورفض الإدلاء بأى تفاصيل ، ورفض التسجيل ، وكان يبدو فى غاية الخوف والاضطراب ، لأنه قال لنا هذه العبارات ثم انطلق مسرعا .


الحامول

كفر رمـاح

ذهبنا بعد ذلك إلى قرية كفر رماح ، وكانت اللجنة الانتخابية بها فى أقصى آخر البلد فى مدرسة ، ولما كان القادم إلى اللجنة يكتشف من على بعد ، وكانت السيارة لايمكن أن تدخل هذا الطريق ، فقد ترجلنا .. ليرانا كا جالس أمام اللجنة .

بمجرد ان اقتربنا واجهنا شاب فى أواخر العشرينات من عمره ، ليسأل

حضراتكم مين ؟
فقلت له : من حقوق الإنسان
- ممكن اشوف الكارنيهات .
- مين حضرتك ؟
- أمين شرطة عمرو .... ( نسيت ) ... أمن دولة .

تحققنا من شخصيته ، و بدا من المشهد العام ان هذه اللجنة بها مايريب ، فتركناه يتحقق من شخصياتنا لنكشف المزيد ، ثم دخلنا إلى اللجنة .

حاول منع التصوير واصطحاب الكاميرات ، ورفضنا رفضا قاطعا ، ولم نسمح له بالنقاش فى هذه النقطة ، وتكلمنا معه بحدة وأنه بهذا يعطل حكما قضائيا ، وان المراقبة من صميم عملنا .

فبهت قليلا ، ثم سكت ، فى نفس الأثناء كان هناك أحد الأشخاص عرفنا فيما بعد ان اسمه ( عبد السميع رسلان - حزب وطنى ) كما يبدو من ( البادج ) الذى يعلقه على صدره وعليه صورة أيمن معاذ مرشح الوطنى ، وأراد أن يمنعنا من الدخول ، ثم قال لنا : معكم خمس دقائق فقط .. وكادت تنشب بيننا معركة فى هذه الأجواء المريبة ، وهذا الاستقبال الغريب ... واحتد بيننا الحوار حتى فضه الناس .

وقريبا مما وجدناه فى قرية ميت ربيعة وجدناه فى كفر رماح .

- إقبال ضعيف تماما
- عدم وجود أى مندوب عن مرشح الإخوان
- حاول أحد الناخبين الدخول إلى اللجنة ، فأصر رئيس اللجنة على أن ينتظر بالخارج ، ولم يسمح له بالانتخاب فى حضورنا .
- كما شكك رئيس اللجنة فى التفويض الذى نحمله ، واحتد بيننا الحوار ، ولكن تراجع قائلا : لولا أنه لايوجد أى مخالفات لما سمحت لكم بالدخول .

سألنا رئيس اللجنة عن مندوب مرشح الإخوان ، فقال إنه لايوجد مندوب ، وقد قمت بتعيين مندوب عنه كما يقول القانون .

وفى هذه الأثناء كان الصحفى ( وجية عاشور - صحيفة آفاق عربية ) يشتبك معه عبد السميع رسلان ، محاولا منعه من إجراء حوار مع مواطن موجود باللجنة .

(( تابعت فرز صندوق هذه اللجنة فيما بعد فى الساعة الثامنة مساءا لأجد أيمن معاذ حصل على 299 صوت مقابل صوت واحد لعبد الفتاح عيد )) .

وهذه النسبة أكبر دليل على ماحدث من انتهاكات ، وسمعت بنفسى رئيس اللجنة يقول لعبد الفتاح عيد بعد انتهاء الفرز ضاحكا وساخرا ( عندك واحد فى كفر رماح بـ 200 واحد ) ، وابتسم عيد فى صمت .

ثم انطلقنا إلى قرية الكوم الأحمر .


قرية الكوم الأحمر

قرية الكوم الأحمر هى القرية الوحيدة التى لم نرصد فيها أى مخالفات ، والتقينا هناك بمندوبين من الحزب الوطنى ومن الإخوان وبرئيس اللجنة وبمواطنين عاديين ، ورأينا سير الانتخاب ، وسألنا عن أى مخالفات .

فلم يجبنا أحد بأى مخالفة .

فانطلقنا إلى غيرها .


دبركى

كانت جولتنا التالية فى قرية دبركى .

حين دخلنا اللجنة الانتخابية وكانت مدرسة ، وجدنا الأعداد الكبيرة من الناس ، فى مظهر يشى بالإقبال على الانتخابات ، خاصة وقد كان وصولنا بعد العصر ، بعدما ينهى الموظفون أعمالهم والفلاحون فلاحتهم .

دخلنا إلى مقار اللجان ، كانت العممملية الانتخابية هادئة تماما ، والموضوع يسير كما يجب .

أجريت حوارا مع فتاة بالقرب من لجنة الانتخابات ، اتضح أنها طالبة فى كلية الحقوق ، اشادت بالانتخابات ، ونفت وجود أى ضغوط أو إغراءات على الناخبين ، بل ذكرت أنها كانت قد نسيت بطاقتها الشخصية فرفض رئيس اللجنة تصويتها حتى ذهبت وأحضرتها .

وعن رايها فى شعار الإسلام هو الحل ، اشادت به ورأته شعارا قويا وعميلا وصادقا ومعبرا ، وعن لماذا تقل المشاركة النسائية ، كان رايها أنه الانشغال وقلة الوعى السياسى لانخفاض التعليم بشكا عام فى القرى .

بحثت عن ممثلين للحزب الوطنى والإخوان المسلمين ، بعد ان اخبرنى شاب أنه تم توزيع رشاوى انتخابية على المواطنين .

وفى فناء المدرسة قابلت ممثل الإخوان ، وبجواره ممثل الحزب الوطنى ، وقال ممثل الإخوان : ان كل ماقيل فى موضوع الرشاوى الانتخابية لايتعدى دائرة السماع ، ولكنه لم ير شيئا ، ولايعرف أسماء من قاموا بالرشوة أو عدد ممن أخذها .

فيما نفى ممثل الحزب الوطنى تماما أن يكون هناك أى رشاوى انتخابية وطالب من يقول هذا بالتثبت والإتيان بدليل .

ثم أجريت عدة لقاءات متناثرة ، منها اثنين شباب فى أوائل العشرينيات ، دلنى عليهما أحد الأشخاص ، اعترفا بأن هناك رشاوى انتخابية قد دفعت وأنهما رأوها ويعرفون من أخذها ..
سألتهما : ماهى نوعية هذه الرشاوى ومن أخذها ؟
فأشارا إلى أنها أسمدة كيماوية وملابس ومبالغ نقدية ومواد غذائية ، وكانت لصالح أحمد عز ، وحين سألنا - الكلام مازال لهما - عن هذه الأشياء قيل لنا : إنها من التنمية الريفية .

سألت : وهذه التنمية الريفية تأتى فى غير أوقات الانتخابات .
أجابا : لا .. بل إنى وأهلى ممن لم نكن مسجلين بمجلس القرية ورغم ذلك اخذنا .
سألت : ولماذا لاتكون هذه المبالغ بالفعل من التنمية الريفية ؟
قالا : لقد كان عليها دعاية انتخابية لمرشحى الوطنى ( أحمد عز - أيمن معاذ ) .

ومما قالاه أيضا : ان مسؤولا بالحزب الوطنى ( فضح وعاير ) بعض الناخبين لأنهم من الفقراء الذين اخذوا الأموال ثم صوتوا لصالح الإخوان فى الانتخابات .

(( وهذا الحوار مسجل أوله بالصوت ، وباقيه بالفيديو )) .

*****

ثم دلنى شخص آخر على غلام فى السادسة أو السابعة عشرة من عمره ، اعترف بأنه شخصيا أخذ مواد غذائية سمن وسكر وغيرها ليصوت لأيمن معاذ مرشح الوطنى ، وبأنه رأى بنفسه عمليات التوزيع التى تمت ليلة الانتخابات فى القرية .

*****

حوار آخر مع شاب ( يبدو أنه من الإخوان ) ، قال إنه سمع سماعا عن رشاوى انتخابية ، لكنه لم يشاهد ، وحكى أن أحد مندوبى الوطنى فضح فتاة أمام الجميع بأنه الذى دفع لأهلها مصاريف علاج والدها ، وانه يساعدهم فى الأزمات ، وظل يلاحقها بالكلام حتى عادت باكية دون أن تنتخب .

سألته : لماذا ؟

قال : لأنها كانت ستنتخب الساعة ( رمز مرشح الإخوان ) .
- ولماذا لايجعلها تدخل لانتخاب الوطنى ؟
- لأنها كانت مصرة على انتخاب الإخوان .

(( الحوار مسجل بالصوت )) .

****

اثناء وجودنا فى اللجنة كان الناس يتجمعون حولنا ، خصوصا الأطفال ، وبينما أسألهم إذ تدخل عجوز تعدى الستين من عمره قائلا : انت بتعمل إيه ؟
- براقب الانتخابات .
- ياعم ، هو فيه انتخابات .. والله العظيم اللى عايزاه الحكومة هو اللى هينجح .. والله العظيم مافى انتخابات فى البلد دى .
- أمال الناس دى بتعمل إيه ؟
- دول فاكرينك بتوزع فلوس ... يلللا ياواد انت وهوه ، دول مامعاهومش فلوس .

****

خرجنا من اللجنة متجهين إلى السيارة : ومازال تجمهر الأطفال حولنا ، فوجدتها فرصة لأسأل طفلا صغيرا :
- وانت ياكابتن هتنتخب مين ؟
- ايمن معاذ .
- اشمعنى ؟
- علشان وزع علينا شاى وسكر .

وكم كان ندمى إذ لم أسجل هذا الحوار ، فلم أكن مستعدا له ، لكن اعتراف الأطفال بالذات لايحتمل الشك ، لأنه طفل مازال لايعى المتشابكات السياسية ، ويتكلم بصراحة وبراءة .

ثم انطلقنا ، إلى قرية طملاى .. بعد هذه الحوارات المثيرة ، لنجد فى جولة طملاى أفضل واثرى الحوارات .


قرية طملاى

دخلنا قرية طملاى بالسيارة ، وعلى أولها نسأل عن اللجنة الانتخابية لصاحب محل بقالة يبدو على مشارف الستين من عمره ، لكنه يتمتع ببنية قوية وصحة جيدة ، أسمر اللون ، غليظ الصوت قليلا .

قال لنا مستفسرا : ليه ؟
أخبرناه أننا من حقوق الإنسان لمراقبة الانتخابات ،
فقال لنا : كان فيه فلوس وبطاطين بتتوزع هنا امبارح ، واللى بيوزعها كان بيقول للناس انتخبوا الحزب .

بمجرد أن أوقفنا السيارة لنسجل معه ، رفض التسجيل تماما ، بل ورفض الحوار وإعادة الكلام معنا من اساسه ، فطلبنا منه أن يدلنا على مقر اللجنة الانتخابية .. فأرسل معنا غلاما فى سنة ( ثانية إعدادى ) اسمه حسن ... هذا الرجل وهذا الفتى لهما معنا حكاية تتجدد فى آخر هذه الجولة .

***

ركب معنا حسن السيارة حتى اوصلنا إلى مقر اللجنة الانتخابية ، عرضت عليه أن يعمل معنا فى هذه الجولة ، تساءل : يعنى إيه ؟

شرحت له إذا وجد أى شخص تعرض لإغراءات أو تهديد أو تلقى رشاوى انتخابية أو شاهد أى مخالفات داخل اللجان ، وعلى استعداد ليحكيها لنا أن يجلبه لى لنجرى معه حوارا .. ووافق حسن فى براءة رائعة .

أوصلنا حسن إلى مقر اللجنة الانتخابية فى مدرسة القرية والتى تقع فى آخر القرية تقريبا ، وكان الإقبال فى هذه القرية أكثر من كل القرى التى ذهبنا إليها ، وبالذات الحضور النسائى هناك كان عاليا جدا ، وبالذات من نساء الإخوان اللاتى كن شعلات من نشاط فى هذه القرية .

بمجرد أن دخلت اللجنة ، تلقانى شباب الإخوان ، وأخبرت بأن هناك حالة اسمها ( ميرفت يوسف قسنطين جرجس ) صوتت مرتين فى لجنة رقم 140 ، واحتجزها رئيس اللجنة لنصف ساعة فى اللجنة ، سارعت بالدخول مع الزملاء إلى هذه اللجنة ، وسألت رئيسها عن هذه الحادثة ، فنظر إلى ساكتا لفترة ثم اجاب فى اقتضاب : شائعات .

وكان شابا فى الثلاثينات ، مما يقوى احتمالية أنه من النيابة لا من هيئة القضاء .

المهم ، كانت اللجان الانتخابية كالعادة ، هادئة ، ليس بها أى مخالفات .

****

أجريت حوارا مع مسؤول الإخوان بالقرية : أثبت لى واقعة التصويت مرتين ، واشاد فيه بحياد الأمن إشادة تامة ، وتحدث عن الرشاوى الانتخابية .

فى حين نفى ممثل الوطنى هذا الكلام جملة وتفصيلا ، وبسؤال نساء ورجال تجمهروا حولنا عن رايهم فى هذا الكلام ، اشتعلت حولى غابة من الأصوات المتناقضة .

وإليكم بعض ماسمعته من جميع الأطراف :

- والله العظيم مافيه أى رشاوى انتخابية
- والله العظيم اتوزع امبارح سكر وشاى وكساوى واسمنت وطوب بناء
- كلها أعمال خيرية للبشمهندس احمد عز ... يعنى الراجل حرام يخدم دايرته ... والله كلها خدمات لوجه الله .
- الست اللى صوتت مرتين كانت غلطة ، لأنها مضت مكانها اختها ، فلما جات هى كان اسمها ممضى قدامه بالغلط .
- انت بتسمع لطرف والتانى لأ ( الكلام ده موجه لى أنا ) .. مفيش أى مخالفات
- اللى شاف بعنيه رشاوى انتخابية يتكلم
- لازم المعارضة اصلا تخفى عجزها
- والكساوى اللى اتوزعت امبارح ؟؟
- كدب كدب كدب .

وهكذا .. وغير هذا من الكلام الذى استطعت تسجيل بعضه وغاب البعض الآخر فى غابات الأصوات .

خرجت من اللجنة ، قابلنى أحد رجال الإخوان ( فى الثلاثينيات ) يدلنى على أن الحزب استأجر نساءا بمبالغ مالية ليقفوا أمام اللجان للدعاية له .

سألته : وماذا فى ذلك ؟ من حق الحزب أن يدعو لنفسه ... لكن هل هؤلاء قاموا بأى مشاكل أو اعتداءات ؟؟؟ فنفى هذا تماما .

****

حاولت إجراء حوار مع مسؤول الأمن باللجنة فرفض معتذرا بأدب ، وموضحا بأن العملية هادئة والأمن محايد كما ترى ( وهذا ماكان قائما بالفعل ) .

****

خرجنا من اللجنة الانتخابية ، فوجدنا رجلا يعمل بالأوقاف ملتح ، فى أوساط أو أواخر الثلاثينيات ، يسعى لنا ويوافق على إجراء حوار لكن بعيدا عن اللجنة ... أخبرنا فى حوار ثرى بالاتى :

- أحمد عز مرشح الحزب الفائز قام بتقييد بعض الناخبين فى مدينة السادات ( حيث مقر عملهم ) ، فانتخبوا مرتين .. مرة هنا ( طملاى ) ومرة فى مدينة السادات لصالح الحزب الوطنى ، وأن السيارات التى تنقل الناخبين إلى السادات لم تتوقف طوال اليوم ... واثناء حديثنا أشار إلى سيارة أجرة متجهة للجنة الانتخابية . ( لكنى لم أتأكد من صحة هذه المعلومة ) ، لكنه اعطانى ورقة بها بعض الأسماء التى صوتت مرتين .

- أنه شخصيا هدد بالوقف عن العمل ، وكذلك كل العاملين فى الأوقاف ، وأخبره رئيسه بأن يبتعد عن الانتخابات .

- أن الحزب الوطنى تسبب فى مشاكل داخل العائلات ، لأن المعروفين بتأييدهم للإخوان تم تهديدهم بالسعى فى قطع أرزاقهم .

- تمت رشاوى انتخابية بشكل مؤكد ، والذى كان يوزع هذه الرشاوى شخص يدعى ( مدين مدكور ) .

(( الحوار مسجل بالفيديو )) .

****

نسيت أن اخبركم أنى سألت الفتى حسن وهو قادم معنا إلى اللجنة ، من تنتخب ياحسن ؟ فقال : الحزب الوطنى .

- والبيت عندك هينتخب مين ؟
- اخبرنى ان والده متوفى ، ووالدته ستنتخب الساعة ( رمز المرشح الإخوانى ) .
فطلبت منه حين نذهب إلى اللجنة أن نسجل مع والدته ، فوافق .

طبعا حسن ليس له صوت انتخابى ... لكن الدردشة تكشف النوايا .

وفى اللجنة أحضر لى حسن بالفعل والدته ، لكنى كنت منشغلا بحوار مع مسؤول الإخوان ، وكان التجمهر كبيرا ، فلم استطع .

*****

بعد الانتهاء ركب معنا حسن ليدلنا على طريق الخروج من القرية .

استوقفنا فى الطريق ، رجل جاوز الستين من عمره ، يرتدى جلبابا ن ويبدو فلاحا ، فتوقفنا له وفى حوار معه مسجل صوتيا أخبرنا :

- أنه مهندس معمارى
- اعطى صوته للحزب الوطنى عن إخلاص ، لأن الحزب الوطنى فعلا تغير فى الأيام الأخيرة .
- يستنكر انتشار الإشاعات التى تقول بوجود رشاوى انتخابية ( إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )
- أحمد عز يتبرع لوجه الله ، وقد كان كثير التبرع والقيام بالأعمال الخيرية للقرية ، وطوال السنوات الخمس لا فى أيام الانتخابات فقط .
- يؤيد شعار الإسلام هو الحل لكن لايؤيد رافعيه .
- يأخذ على الإخوان معارضتهم المبداية والمطلقة للحزب الوطنى دون النظر إلى الأمور بموضوعية وحيادية .

كان الرجل وقورا فى حديثه ، متزنا فى عباراته ، يبدو صادقا بالفعل .. شكرناه ومضينا إلى خارج القرية .

أثناء تجولنا بالسيارة ، أجرينا حوارا ( بالفيديو ) مع حسن .. أخبرنا فيه :

- أنه لايوافق على شعار الإسلام هو الحل ، رغم انه يحب الإخوان ، لأن هذا الشعار سيجعل المسيحيين تلقائيا يصوتون للحزب الوطنى .
- أنه تم توزيع رشاوى انتخابية عبارة عن مواد غذائية وكساوى وطوب بناء ، وتم خفض سعر الحديد لبعض الناس لكى يستطيعوا البناء فى مقابل أصواتهم .
- لو كان له صوت لصوّت للجمل ، فى حين أن والدته صوتت للساعة .
- لم يحاول أحد فى البيت إقناع الآخر باختياراته .

***

ماكدنا نخرج لأول البلد ، حتى قابلنا الرجل صاحب محل البقالة الذى قابلناه فى أول الجولة :

أجرينا معه حوارا رفض فيه التسجيل ، كان فيه :

- تم توزيع رشاوى انتخابية وزعها ( مدين مدكور ) ، وكانت عبارة عن مواد غذائية وطوب بناء وكساوى .
- انتخب الإخوان .
- فى حين أن اسرته انتخبت الحزب الوطنى .

طلبت منه شاهد عيان للرشاوى الانتخابية لأنى كنت فى لجنة الانتخاب ، ونفى ممثلو الحزب هذا الاتهام تماما .

وسرعان ما نادى على شاب فى أواسط الثلاثينات تقريبا ، أجرينا معه حوارا ( بالفيديو ) كان فيه :

- شاهد ( مدين مدكور ) يوزع رشاوى انتخابية .
- أعطى صوته للإخوان ويوافق على شعار الإسلام هو الحل ، وشرح معنى الشعار شرحا جميلا للغاية .
وهنا تدخل الرجل الأول قائلا

- لا .. يعنى ايه الاسلام هو الحل ... انا رافض الشعار ده ... يعنى الناس كلها كفرة ؟!!!
سألته مندهشا : انت مش لسه قلت لى انك انتخبت الاخوان ؟
فأوضح لى أنه ابطل صوته .

ثم اعطانا اعترافا خطيرا .

فهذا الرجل هو أمين الحزب الوطنى بهذه القرية قبل 7 سنين ، وكان يقفل الانتخابات لتخرج النسبة 100 % للحزب الوطنى ، وكان يضرب أى معارض أو رافع لشعار الإسلام هو الحل .

وان الناس تنتخب الإخوان لا حبا فى الإخوان ولكن كرها فى الحزب الوطنى من جراء الكبت السياسى الذى خلفته ممارسات الحزب الوطنى ، ومنها ما كان يقوم به هو شخصيا .

وانه اعتزل السياسة منذ 7 سنوات الآن ... ولو كان المعارض قويا ولم يكن من الإخوان فسينتخب الناس هذا المعارض ولن ينتخبوا الإخوان .

******

إلى هنا انتهت جولتنا فى طملاى ، وفى دوائر القرى التى حول منوف .

نحن الآن قبيل المغرب .. نتوجه إلى منوف المركز لمراقبة دوائر منوف ، ثم حضور الفرز وإعلان النتيجة التى أعلنت فى الثالثة والربع صباح يوم الأربعاء .


كانت قرية طملاى هى آخر فقرة فى الجولات حول منوف ، ثم عدنا أدراجنا إلى منوف .

كان قد اتصل بى شاب من الإخوان أثناء عودتى فى الطريق يخبرنى أن بلطجيا يفتعل مشكلة مع الإخوان ويريد أن يستولى على جهاز الكمبيوتر .

( جهاز الكمبيوتر - لمن لا يعرف - كان اسلوبا استخدم الوطنى والإخوان لتسهيل عملية الانتخاب بالنسبة للفرد ، إذ يتم إدخال اسمه فى قاعدة بيانات مخزنة بالكمبيوتر ، فيحصل على رقم المسلسل الخاص به فى الكشوف الانتخابية ) .

هرعت أول مانزلنا إلى منوف إلى تلك اللجنة الكائنة بمدرسة الثانوية بنين خلف قسم الشرطة ( ولاتتعجبوا ) .

لكننا وجدنا الأمر هادئا تماما ، ويبدو ان رؤساء اللجان فى منوف نفسها كانوا بالفعل من اعضاء الهيءة القضائية ، يبدو هذا من السن ، وكذلك البساطة والوقار فى ذات الوقت ، والنصائح التى يعطونها للناخبين .

سألت ممثلى الوطنى والإخوان ، واجمع الجميع على التفاهم التام والكامل بينهما ، بل إن مسؤول الإخوان ( عزم ) مسؤول الوطنى على الإفطار أو الغداء ، وقد ردها الآخر فى الغداء أو الإفطار .. ( لا أتذكر بالضبط ) .

سألت عن الخبر الذى وصلنا عن البلطجى ، فصرح ممثل الإخوان بأنه فرد معروف ومسجل خطر ، حاول الاستيلاء على الجهاز بالفعل ، لكنه لم يظفر إلا بلوحة المفاتيح ، وطلب مقابلها مائة جنيه ( طبعا بلطجى مش عارف انها بـ 10 جنيه ) .. فتركوها له .. لكنه استبعد أن يكون مؤجرا من الحزب الوطنى .

العملية الانتخابية هادئة تماما ، بلا أى مشاكل فى أى دائرة ... إلا ماكان بمدرسة الثانوية بنات فى أول النهار ، وبعض التحفزات فى وسط النهار .. لكن دون أى مشاكل .

نسبة التصويت كانت تقريبا 20% فى كل الدوائر فى هذا المركز .

******

بعد عشاء بسيط ، انطلقنا إلى اللجنة العامة للفرز ، وهى تقع فى منوف ، بعد الساحة الشعبية ، خلف ( مزلقان ) السكة الحديد .

كانت بعض الصناديق قد بدا فيها الفرز ، وبسؤال الأطراف علمت أن رئيس اللجنة العامة لم يسمح إلا بـ 25 مندوب من الطرفين ... لكن الواقع أنهم كانوا يزدادون بمرور الوقت .

تقريبا لم يكن هناك أى مخالفات فى عملية الفرز ، إلا ما رصدته فى صندوق اللجنة رقم 9 السادات ، إذ لاحظت أن الفرز لم يكن بوجود رئيس اللجنة الذى حضر بعد انتهاء الفرز ولم يفعل شيئا سوى الإمضاء على النتيجة .

موظف آخر رصدته كان يحاول أثناء تجميع الأصوات ، وضع بطاقات لمرشح الإخوان فى بطاقات مرشح الوطنى .. لكن رئيس اللجنة ، انتبه لهذا ، وأعاد الفرز مرة أخرى ، تخلص فيه من هذه الأخطاء .

كان مندوبو الإخوان ، وكذلك الوطنى يتابعون الفرز ، ويأخذون النتائج .

وكانت النتائج فى كل اللجان تقريبا تميل إلى الحاج عبد الفتاح عيد مرشح الإخوان ، إلا أن هناك لجانا عددها حوالى عشرة أو اكثر قليلا يتقدم فيها أيمن معاذ مرشح الوطنى تقدما كبيرا بفارق مائتين أو ثلاثمائة صوت ، وهناك لجنة تقدم فيها بفارق 800 صوت .

استغللت الوقت فأجريت حوارا مع عبد الفتاح عيد مرشح الإخوان هذا مختصره :

- رأيك فى العملية الانتخابية ؟
- تمت بنزاهة ، وإشراف قضائى كامل ، وحياد كامل من قبل الأمن .

- يتهم ( إبراهيم الشاعر من الحزب الوطنى بمنشية سلطان ) أنكم دفعتم رشاوى انتخابية فى المرحلة الأولى بواقع 20 جنيها للصوت الواحد .
- لايمكن ان يكون هذا صحيحا ، نحن ابعد الناس عن الرشاوى والإغراءات .

- يتساءل الناس عن هذه الدعاية الضخمة للإخوان ، من أين لكم بهذه الأموال ؟
- غيرنا هم المفترض أن يسئلوا هذا السؤال ، فدعايتنا متواضعة ، ولافتاتنا متواضعة ، بعكس غيرنا الذين كانت دعايتهم وإعلاناتهم تصل إلى حد الاستفزاز .

- شعار الإسلام هو الحل الذى فرق أبناء الأمة ، لماذا تتمسكون به ، ومن الطريف أنى قابلت اليوم فتى أثناء مراقبتى للانتخابات ، اعترض على هذا الشعار لأن المسيحيين قطعا لن ينتخبوه .
- هذا الشعار أخذنا به حكما يقول أنه شعار دستورى يتفق مع الدستور والقانون ، وهو شعار يجمع أبناء الأمة ولايفرقها ، ونحن نرعى العهد ونصون الذمة للأقباط ، ونرى أن لهم كافة حقوق المواطنة ... وهذا الطفل ، فهو مازال صغير يردد ما يردده الكبار .

- مالك تبدو هادئا هكذا ن قبل دقائق من إعلان النتيجة ؟
- هذا من فضل الله علينا ، والهدوء نعمة من الله .

- ماذا تتوقع أن تكون النتيجة ؟
- نسأل الله التوفيق ، والنتائج التى تأتينا تبشر بالخير .

(( الحوار مسجل صوتيا )) .

****

حاولت البحث عن أيمن معاذ مرشح الوطنى كى أجرى معه حوارا ، فلم أجده ، وحين وجدته فيما بعد ، هرعت إلى الصديق حامل الكاميرا ، ولما وجدت الصديق اختفى أيمن معاذ .

بحثت مرة أخرى حتى وجدته ، لكنه كان بادى التوتر ، ورفض إجراء حوارات الآن .

أخبرته اننا من حقوق الإنسان ، وأجرينا حوارا مع المرشح المنافس ، فرفض أيضا ، وقال : بعد ظهور النتيجة إن شاء الله .

****

حين انتهى فرز اللجان ، طلب رئيس اللجنة العامة خروج الجميع فيما عدا المرشحين ، ولم يبق إلا مندوبى المرشحين وثلاثتنا ، ورجال الأمن والمباحث العامة .

تابعت الفرز ، وكان رئيس اللجنة العامة نزيها بالفعل ، يبين لكلا المرشحين ماذا سيفعل بالضبط، ويفتح لهم الصناديق التى تدخل لكى تحمل المظاريف التى انتهى فرزها ليتبينوا خلوها من أى أوراق .. وعندما حدث لبس فى اللجنة رقم 122 ، اتصل من تليفونه المحمول ليتأكد من رئيس اللجنة ، ... إلخ .

كانت كل اللجان تميل لصالح عبد الفتاح عيد مرشح الإخوان على أيمن معاذ مرشح الوطنى ، بفارق صوت أو 10 أو 100 أو 200 فى حد أقصى ، ويستمر الوضع هكذا فترة ... ثم تأتى لجنة يكون الفارق لصالح ايمن معاذ 300 أو 400 أو 800 صوت مرة واحدة .

وكان الموضوع متكافئا .

***

انتهى الفرز ، وبقى تجميع الأصوات ، ودخل رئيس اللجنة مع المرشحين ومندوبهم وواحد من حقوق الإنسان ... وتأخروا إلى الساعة الثالثة صباح الأربعاء .

وقد سمعت من أحد الوكلاء لمرشح الإخوان أنه تقدم بطعن للقاضى ، فيبدو أنه تمت مناقشته بالداخل ، مما أخر ظهور النتيجة .

وفى تمام الثالثة والربع أعلن رئيس اللجنة حصول :

أيمن معاذ - مرشح الوطنى على 27 ألف صوت .
عبد الفتاح عيد - مرشح الإخوان على 31 ألف صوت .

واشتعل التكبير ، داخل اللجنة وخارجها ... واستحال علينا إجراء أى حوارات مع أى أحد .

فانصرفنا راشدين .


مجمل التقرير :

العملية الانتخابية فى دائرة منوف .

- حياد أمنى كامل
- إشراف قضائى كامل
- لاتخلو دائرة من رشاوى انتخابية دفعها الحزب الوطنى للناخبين .


كان معكم من أهدى مكان فى العالم فعلا .. لأن باقى الأماكن كانت مشتعلة :

محمد إلهامى - مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق