والمنطقة الخضراء هي الدائرة الضيقة في وسط بغداد والتي
تشمل مؤسسات الحكم العراقية التي تأسست وقامت في ظل الاحتلال الأمريكي، وكانت
الحكومة العراقية تمارس أعمالها من داخل هذه المنطقة التي يحرسها قوات عراقية
وشركات أمنية أجنبية، تمنع نيران المجاهدين في العراق من الوصول إليها، بينما باقي
البلد مستباحة للأمريكان، أو بالأحرى: ساحة صراع بين الأمريكان والمجاهدين في
العراق منذ جاء الاحتلال.
نموذج المنطقة الخضراء هو نموذج الشر الخالص الذي تلتقي
فيه الرأسمالية بالاحتلال بالعمالة في نقطة واحدة.. كيف؟
1. نموذج الرأسمالية يؤول إلى تكديس المال بأيدي حفنة
قليلة من الناس، يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، وتختفي الطبقة الوسيطة حتى تصير
المجتمعات على صنفان: قلة تملك المال، وكثرة تعمل كالعبيد في الشركات والمصانع
والامبراطوريات الاقتصادية، ويصير المال كما قال ربنا (دُولة بين الأغنياء منكم)
ومن ثم تتحكم هذه القلة في السياسة وفي الإعلام، فصاحب المال يملك إنشاء مؤسسات
إعلامية، ويملك نوعا من الضغط الاقتصادي على الحكومات، فيكون مآل كل هذا أن تتزاوج
السلطة والثروة، لتكون الطبقة الغنية هي الطبقة الحاكمة، وتستطيع هذه الطبقة تفريغ
الديمقراطية من مضمونها لأنها تتحكم تماما بالشعب عبر الإعلام وصياغة القوانين
والتحكم في السياسة (اقرأ مثلا كتاب: السيطرة الصامتة للألمانية نورينا هيرتس، أو
كتاب: أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراؤها للأمريكي جريج بالاست).
2. هذه الرأسمالية لا تكتفي بالتحكم في شعبها بل تسعى
لاستنزاف الشعوب الأخرى، والكل يرى ويعرف أن أمريكا تدس أنفها في كل دولة وتهيمن –مباشرة
أو عبر المؤسسات الدولية- على الموارد ومصادر الطاقة وحركة الأموال وغيره.. ومن
المفيد هنا قراءة كتاب مثل "الاغتيال الاقتصادي للأمم" للأمريكي جون
بيركنز حيث يشرح فيه كيف تدبر الرأسمالية الأمريكية للسيطرة على موارد الأمم بشكل
ناعم عبر الشركات العالمية أو أقل نعومة عبر المؤسسات الدولية أو خشن عبر تدبير
الانقلابات العسكرية أو أشد خشونة عبر الاحتلال المباشر.
3. وحيث أن الاحتلال المباشر عظيم التكاليف، فإن
الاحتلال بالوكالة عبر العملاء يكون أفضل حالا، وفي هذه الحالة تهتم أمريكا بصناعة
النخبة التي تحكم بلدها لتخدم مصالحها، فهي تدعمها أمنيا وعسكريا وسياسيا لتحصد من
ورائها ثروات البلاد والنفوذ فيها، وحيث أن العملاء بطبيعة الحال سيكونون ضد مصالح
الشعوب فلا يهمهم إلا تدبير الوضع الأمني، فإن لم يستطيعوا ضمان ذلك عبر أجهزة
الأمن والجيوش المحلية التي يُغدق عليها بالأموال والمزايا لتصير طبقة منفصلة عن
المجتمع ومرتبطة بمصالح النظام السياسي ومن ورائه النظام العالمي، إن لم يستطيعوا
ضمان ذلك لأي ظرف استعانوا بالشركات الأمنية الأجنبية مثل البلاك ووتر أو
المتقاعدين من أجهزة أمن وجيوش أخرى.
وبهذا تصير المنطقة الخضراء معبرة عن ثلاث مستويات:
أمريكا في الهيمنة، والنظام السياسي الذي يخدم مصالحها، ويحميه أجهزة أمن وجيوش
محلية أو مرتزقة أجانب.. ثم تصير هذه المنطقة معزولة تماما عن باقي الشعب على كل
المستويات: سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأمنيا!
فالمصالح السياسية لهذا النظام يختلف بل ويناقض المصالح
السياسية للشعب، والوضع الاقتصادي لهم لا يقارن بالفقر الذي يشمل أغلب الشعب، وهذا
يترتب عليه الوضع الاجتماعي إذ يتعلمون هم وأبناؤهم في مدارس وجامعات لا يستطيعها
عموم الشعب، ويترتب على هذا انفصال ثقافي وتعليمي بين هذه الطبقة وبين عموم
الشعب.. ثم في النهاية تكون الجيوش وأجهزة الأمن مرتبطة بهذه الطبقة وظيفتها هي
الحماية ولا حرج لديها على الإطلاق في سحق الشعب كله.
فما الذي يجعلك تتوقع أن ثمة منطقة خضراء مصرية على وشك
التأسيس؟!
في الحقيقة هذا ليس توقعا، هذا هو ما بحثه مجلس الوزراء
في جلسة الأربعاء 16/7/2014 حول إنشاء عاصمة إدارية تضم الوزارات والمؤسسات
الحاكمة، وقبله ما جرى تنفيذه من الرفع المتتالي لرواتب الجيش والشرطة ليترسخ
كونهم طبقة أخرى غير طبقة الناس مهمتها حماية النظام السياسي وسحق الشعب، وبهذا
يستريح الساسة والحكام حتى من صوت الاعتصامات والهتافات التي تزعج راحتهم أمام
الوزارات والمؤسسات الحاكمة، ويجتمعون معا في منطقة هادئة راقية منظمة بعيدة عن
غبار القاهرة وحرها وعرق أهلها ومناظرهم الكئيبة!
ثورة دي ولا انقلاب؟!
وبالمناسبة: هل يعرف أحد أين يقيم السيسي؟ أو من أين
يحكم؟!
نشر في الجزيرة مباشر مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق