الأحد، يوليو 20، 2014

بعض ما لن يُقال عن غزة





لماذا أباح الله السكوت عن قول الحق في حال الخوف؟ بينما لم يُبِح قول الباطل إلا في حال الاضطرار خوفا من الهلاك؟

ذلك أن السكوت عن قول الحق نقص، بينما قول الباطل تزوير وتزييف وتشويش وتغيير لحقائق الأمور، والضرر من السكوت عن قول الحق لا يقارن بالضرر الناشيء عن اعتناق الباطل، فالضرر الأول "جهل"، والضرر الثاني "جهل مركب"، والجهل المركب: أن يجهل المرء الشيء وهو يظن أنه يعلم!

ولهذا ربما جاز للبعض ألا يتكلم بسوء عن الأنظمة العربية، لا سيما التي تحكمه، خوفا من بطشها المحتمل.. لكن الذي لا يجوز هو مدحهم والثناء عليهم ودعم شرعيتهم وإلباسها ثوب الحق بينما هم الباطل نفسه؛ فإن ذلك قلب للحق ليكون باطلا، فيفت في عضد أهل الحق ويزيد في عدد وعضد أهل الباطل وينصر الباطل على الحق أو على أقل تقدير يؤجل المواجهة المستحقة وقد يضيع عليها لحظة ثمينة كان يمكن أن تكون لحظة النصر.

أولى أولويات معركة الوعي أن يدرك الإنسان صديقه وعدوه، وأخطر ما في هذه المعركة حين يحيا المرء معتقدا أن الصديق عدو، وأن العدو صديق.. وذلك ما وقعنا ونقع فيه: أننا نرى هذه الأنظمة العربية منا ونحن منهم، بينما هم رجال العدو في بلادنا يقتلوننا قبل أن يطلب، ويحاصروننا قبل أن يرغب، ويسرقوننا قبل أن ينهب.. يحافظون على مصالحه، وهو يدعمهم ويحافظ على عروشهم.

وأسوأ مشاهد هذه المعركة حين تحسب الشعوب أنها أنظمة شرعية، فيتخاذلون عن الثورة، ويتخوفون من الاحتجاجات، ويأملون في أن يتغيروا من تلقاء أنفسهم، ويرضون منهم بالقليل من الفتات الذي يلقونه إليهم تخوفا من هبتهم... وهكذا!

إن إضعاف هذه الأنظمة هو تقوية للأمة، إن أحسن الأنظمة حالا من يسكت على حرب المسلمين في غزة، وإبادتهم في سوريا، وإفنائهم من إفريقيا الوسطى، وسحقهم في مصر، وتركيعهم في ليبيا، وذبحهم في بورما ... إلى آخر مذابحنا التي لا تعد.

أما غالب هذه الأنظمة فهي تشارك في هذه المذابح بيدها مرة وبأموالها مرات وبإعلامها مرات ومرات ومرات.. وقد بلغنا من الهوان حدًّا تُناقش فيه عمالتهم ومدى التزامهم بالطاعة علانية في جلسات الكونجرس وفي لقاءات المسؤولين بوسائل الإعلام.. ويمكن لمن شاء العودة إلى كلام آن باترسون في جلسة الكونجرس بتاريخ 19 سبتمبر 2013م، أو إلى أرشيف لقاءات المسؤولين الإسرائيليين عن علاقتهم وتعاونهم غير المسبوق (!) مع النظام العسكري في مصر!

بل بلغنا من الهوان حدًّا يعترفون فيه هم أنفسهم بهذه العمالة وهذا الالتزام، فوزير الخارجية المصري هو من يصرح بأن العلاقة بين مصر وأمريكا هي علاقة زواج مقدس لا نزوة عابرة، و"الخبراء الاستراتيجيون" في وسائل الإعلام المصرية يتحدثون عن المصلحة المشتركة بين مصر وإسرائيل في القضاء على الإرهاب (الذي هو المقاومة الفلسطينية)، والأمير السعودي يكتب مقالا لصحيفة هاآرتس يتحدث فيه عن مبادرة السلام في ذات الوقت الذي يشتعل فيه أطفال غزة بلهب الصواريخ الإسرائيلية.

والقصد ليس إقامة مندبة ولا مناحة ولا تكرار ما يُقال منذ عقود، القصد بوضوح هو أن يستفيق العقل العربي من أوهام أن هذه الأنظمة فيها خير أو أنه يُرجى منها صلاح أو حتى أنه يجوز التباطؤ في الثورة عليها وخلعها والقيام بكل ما من شأنه إضعافها.. ذلك أن قوة هذه الأنظمة هي قوة للعدو وضعفها إضعاف للعدو، لا كما يروج الجاهلون أو العملاء من أن ضعفها قوة للعدو.. بل الحق أن العدو لم يتمكن في بلادنا إلا بهم هم، وكان هو أحرص الناس على دعمهم وبقائهم ولو كان الثمن ملايين الأرواح وخراب البلاد.. وسوريا أمام الجميع مثال يُدمر كل الأوهام والخرافات.

والقصد أن يستفيق العقل الإسلامي فيعلم أن حكامنا اليوم لا تنطبق عليهم أحكام الفقه في تراثنا، فتاريخنا الذي كتب فيه هذا الفقه كان فيه استبداد لكنه استبداد الأثرة بالملك والظلم في الأموال ونحو ذلك، ونادر في تاريخنا أن اجتمع الاستبداد بالخيانة والولاء للعدو وتقديم المسلمين ذبائح عند قربان مصالحه.. أما الآن فإنه لا يكاد يكون لدينا مستبد إلا وهو واقع في الخيانة والعمالة، فهذا ليس مجرد المتغلب الذي يقيم الأحكام ويحفظ الثغور والذي قبل بعض الفقهاء ولايته لما فيها من مصلحة اجتماع الأمة، إنما هؤلاء من تغلبوا فلم يقيموا شرعا ولم يحفظوا ثغورا ولم يصونوا مصالح أمة بل كانوا أبواب العدو وذراعه فيها.

بغير هذه الاستفاقة وما يترتب عليها ستظل دماؤنا تسيل، ويظل البعض مكتفيا بالأماني والأحلام لا يعرف إلى التغيير طريقا!

* كتب قبل 10 أيام ولم ينشر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق