الأحد، يوليو 24، 2022

جيش الشرق

 


لو ليست لديك فكرة مسبقة عن الحملة الفرنسية فلن تفهم شيئا!

ولو كانت لديك فكرة مسبقة فالفائدة التي ستجنيها قليلة للغاية

في هذا الكتاب شيء غريب لا أحسن التعبير عنه، إنه يشبه المقبلات على مائدة الطعام، وجودها لطيف وغيابها غير مؤثر

وأحسن ما في الكتاب -بالنسبة لي- مقدمة المترجم التي تتحدث عن باعثه الأول للكتابة في الحملة الفرنسية، فتلك القبور التي أولاها أهل بني عدي في محافظة أسيوط عناية فائقة هي قبور شهدائنا الذين واجهوا الحملة الفرنسية حين غزت الصعيد.. لدي شغف عظيم بالتأريخ لمقاومة أمتنا الباسلة، وأكثر هذه الصفحات مجهول مطمور مغمور، ولن تنكشف هذه الحجب إلا حين تتحرر بلادنا من هذه الأنظمة العميلة، فتنبعث الفرق العلمية للتنقيب والكتابة وإعادة بناء هذه التواريخ المكبوتة والمكتومة!

إن الإنتاج الغربي عن مقاومة بلادنا أكثر وأعمق من إنتاجنا نحن عن هذه المقاومة.. مع الأسف الشديد! وأسباب ذلك معروفة لا حاجة للتطويل فيها.

من بين الفوائد القليلة والمهمة في هذا الكتاب، وهي تكتمل عند القارئ إن كان على اطلاع سابق بأحداث الحملة الفرنسية، اليقين بأن النتائج الكبرى في التاريخ قد يصنعها المقاتل البسيط.. أنا واحد ممن لا يزال يميل إلى أن نتائج حركة التاريخ لم تكن حتمية على النحو الذي يقدمها كثير من المؤرخين والفلاسفة..

إنك لو قرأتَ عشر كتب في الحملة الفرنسية -مثلا- لوجدت منها تسعة على الأقل تسوق الحكاية وكأن انتصار الفرنسيين كان محتوما، وستجد حشدا يفسر لك أسباب انتصار الفرنسيس وأسباب انهزام المماليك، وربما يكون كلها حق.. لكن عند التعمق في متابعة التفاصيل وروايات المعارك الصغيرة، ستجد أن المماليك كادوا في أكثر من مرة أن يهزموا الفرنسيين، بما في ذلك معركة إمبابة الرئيسية، وأن الفرنسيين لم ينتصروا عليهم كأنما كانوا في نزهة.. كل أسباب انتصار الفرنسيين وكل أسباب انهيار المماليك التي يرويها المؤرخون كان يمكن أن تختلف جذريا لو أن قائدا ما أو جنديا ما كان أكثر صبرا وصمودا هنا، أو كان أقل صبرا وصمودا هناك..

يمكنني تقريب المسألة لعموم الجمهور بالحديث عن مباراة الكرة.. فالمحللون الجالسون في الاستديو يفسرون لك كيف فاز الفريق الفلاني وكيف خسر الفريق الفلاني.. لو استمعت إليهم دون مشاهدة المباراة فستحسب أن فوز هؤلاء كان طبيعيا وربما حتميا تسوق إليه الأسباب التي يوردها أولئك المحللون: الخطة والدفاع والتبديل الفلاني في اللحظة الفلانية... إلخ! بينما إذا شاهدتَ المباراة نفسها تبين لك بوضوح أن الأمر لم يكن كذلك، وأن ذلك الفريق المهزوم لو كان سعيد الحظ في فرصة أو فرصتين لانقلبت نتيجة المباراة، وانقلب معها بالتالي التحليل الذي يقوله أولئك الخبراء في استديو التحليل.

هذا الكتاب، من خلال شهادات الجنود الفرنسيين عن المعارك، هو واحد من تلك التي تقرب القارئ من التفاصيل.. وسيرى فيها أن المماليك وهم في أوج ضعفهم وفسادهم كانوا قادرين على هزيمة أقوى جيوش أوروبا وهو في أشد لحظات عنفوانه لو أوتي بعضهم شيئا من الصمود والصبر وحسن التخطيط وحسن استعمال الطاقة البشرية الموجودة في الشعب.. بل إن رواية الجبرتي تجعل اتجاه هبوب الرياح ضد جيش المماليك من أسباب هزيمتهم!!

ماذا يعني هذا كله؟

يعني ببساطة أن الفرد الواحد يمكنه أن يغير نتائج تاريخية حاسمة، وهذا الأمر يزداد يقيني فيه كلما قرأت كتب المذكرات وشهود العيان.. بينما يبدو بعيدا إذا قرأت كتب المؤرخين الباحثين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق