الأحد، فبراير 14، 2021

خواطر حول فكرة تحديد فترة الرئاسة في النظام الديمقراطي

 بسم الله..


من مبادئ الديمقراطية المعاصرة تحديد مدة تولي السلطة، بحيث يُنتخب الرئيس لعدد من السنوات، يمكن أن تجدد لفترة واحدة إضافية فقط. والغرض من ذلك: ألا تطول مدة بقاء الحاكم في السلطة فيحمله هذا على الطغيان والاستبداد والتحول إلى فرعون جديد.

هذه الصورة هي جزء من الأنظمة الرئاسية، بينما النظام البرلماني الذي يضع السلطة في يد رئيس الحكومة لا يضع هذا القيدَ عادةً، إذ يمكن للحزب الفائز في الانتخابات أن يتولى السلطة بنفس شخص مرشحه لمدة غير محددة. (مثال: نتنياهو يتولى رئاسة الحكومة منذ 2009 حتى الآن، أي 12 عاما متواصلة)

السؤال هنا: هل أدى هذا الوضع إلى خفوت الديكتاتورية أم إلى اختبائها فيما يُسَمَّى "الدولة العميقة"؟

الإجابة: انظر هذا المنشور: https://www.facebook.com/mohammad.elhamy/posts/10157666087466615

لكن حديثنا الآن له غرض آخر.. ولكن اصبر معي قليلا..

لقد جاءتنا هذه الفكرة، فكرة تحديد مدة السلطة، ضمن الموجة الغربية المستمرة منذ قرنين من الزمن، وسُئِل المسلمون: ما موقفكم من تحديد مدة تولي السلطة؟

وهذا السؤال حين يُطْرَح من قِبَل المنتصر -أو المنبهر بالمنتصر- على المهزوم المغلوب، فإنه يكون سؤال مُحَمَّلًا بقوة المنتصر وسطوته، وتكون إجابته مُحَمَّلَةً بضعف المغلوب وذِلَّتِه.

[كمثال على الهامش: كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها، مطلع القرن السابع عشر، حين كانت تحارب الكومنولث البولندي الليتواني، وكان تجربة ديمقراطية مبكرة في أوروبا، حيث يتربع ملك منتخب على عرش نظام قوامه البرلمان المركزي والمجالس المحلية.. فلم ير العثمانيون أنهم بحاجة إلى الديمقراطية، بل رأى البولنديون بعد الهزائم أمام العثمانيين أن هذا النظام البرلماني يعطل المبادرة ويثبط القرارات الجسورة.. ولأن التجربة لم تستمر طويلا، فلم تكن ذات إغراء ولا بريق لأحد في الجوار، لا الروس ولا العثمانيين ولا الأوربيين]

والفقه السياسي عند المسلمين، يُسْتَمَدُّ في هذه المسائل من عصر الخلافة الراشدة، وبالنظر إلى ذلك العصر سنجد أن الخلفاء الأربعة بقوا في السلطة حتى وفاتهم، ولم يُطْرَح عليهم ولا طرحوا هم فكرة المدة الزمنية.

فذهبت طائفة من العلماء المعاصرين إلى أن الإسلام ليست فيه فكرة تحديد المدة الزمنية للسلطة.

وذهبت طائفة أخرى إلى القول بأن هذه الفكرة جائزة اعتمادا على أن عدم فِعْل الخلفاء الراشدين لشئ لا يدل على تحريمه، ولم يرد عنهم النهي عن ذلك، فهي فكرة واقعة في دائرة النظر وتقدير المصالح والمفاسد. وإذا تحققنا أن ثمة مفسدة في إطلاق المدة الزمنية للحاكم، فيكون من الجائز تقييد المدة وتأقيت عقد السلطة، قياسا على أن الإمامة عقد كسائر العقود، وهي عقد وكالة بين الأمة والأمير، وإذا جاز في العقود عموما وفي عقد الوكالة خصوصا فكرة التأقيت فإنه يجوز أن يكون ذلك في عقد الإمامة.

وليس من غرض المنشور الدخول في هذا السجال الفقهي ولا الفصل فيه، ولكن لا بد من إيضاح أمور:

- أن كلا الفريقين يتفق على أن الحاكم الشرعي يُوَلَّى برضا الأمة، وللأمة حق مراقبته ونصحه، ولها حق عزله والقيام عليه إذا أفسد وجار وانحرف، مع مراعاة المفاسد والمصالح المترتبة على عملية الخروج كتنزيل عملي لحق العزل في الحالة المُعَيَّنة التي يقدرها أهل العصر.

- أن كلا الفريقين يتفق، من خلال فقه الخلافة الراشدة نفسه، أن عزل الأمير غير مرتبط بوقت وإنما مرتبط بسياسته وسلوكه، فمن حق الأمة عزل الأمير بعد عام أو عامين أو ثلاثة وليس في الفقه ما يشترط على الامة الانتظار أربعة أعوام أو خمسة -كفترة أولى- قبل أن تفكر في الاعتراض أو أن تُقْدِم على خلع الأمير.. وهذا الأمر واضح من خُطَب الخلفاء الراشدين التي بدؤوا بها ولاياتهم، كقول أبي بكر "فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".

- أن كلا الفريقين يتفق على أن من واجب الأمة اختيار الأفضل للولاية، دون مراعاة المجاملات والروابط والعصبيات، بل يُقَدَّم للولاية من هو أولى بها وأحق.

ولو دققنا في هذه النقطة الأخيرة، لفهمنا لماذا لم يفكر علماؤنا الأقدمون في مسألة تأقيت عقد السلطة، إذ إن تولية الأفضل والأحق بالمنصب سيجعل من مقتضى هذا ولوازمه أنه لا يُعْزَل هذا الأفضل ويُؤتَى بغيره إلا لو وقع منه أو له ما يجعله غير كفء ولا جدير بالولاية، سواء لفساد طرأ عليه في دينه أو جسمه.

وقبل أن نغادر هذا الجزء، يجب القول بأن النظام الاجتماعي الإسلامي يذهب إلى بناء مجتمع قوي، وسلطة محدودة الصلاحيات، وهو حافل بالتشريعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تجعل عملية اختيار الحاكم جزءا واحدا من منظومة أشمل، تكون معها صلاحيات الحاكم أقل كثيرا من صلاحيات أي حاكم ديمقراطي معاصر

وللتفصيل في هذه الفقرة الأخيرة انظر هذه الروابط:
https://www.youtube.com/watch?v=ikfGGWK3BUI
https://www.youtube.com/watch?v=HEg-ax7G-xs
https://www.youtube.com/watch?v=puEAp2pDpN0

***

دعونا نُرَكِّز النظر الآن على العلماء وعلى الحركات الإسلامية، الذين قبلوا بهذه الفكرة، فكرة تحديد مدة السلطة والولاية، وقبلوا بفكرة الانتخابات، وجعلوها ضمن لوائحهم في جماعاتهم وفي مؤسساتهم العلمية.

وهؤلاء لا يمكن الحديث عن أن قبولهم بهذه الفكرة هو محض نظر وتفكير علمي، بل إن في قبولهم به تأثرا واضحا بالثقافة الغربية الغالبة والبرّاقة، وفيه أيضا نفورهم من نتائج الطغيان والاستبداد الذي يشمل العالم الإسلامي، فالمواقف لا تُتَّخَذ في الفراغ، وإنما هي حصيلة الظروف والمشكلات الواقعية.

بحسب ما أعلم، فإن الزعماء المؤسسين للحركات الإسلامية وللمؤسسات العلمية ظلوا حتى نهاية عمرهم، أو حتى لحظة عجزهم، في موضع القيادة، وإذا حصل نوع من الانتخابات في جماعتهم فإنه يُجَدَّد لهم لمدة أو لمُدَدٍ أخرى في مناصبهم.. فإذا جاءتهم الوفاة أو جاءهم العجز عن القيام بالمهمة، كانت توصيتهم باسم من يخلفه في المنصب توصية نافذة، وتأتي عملية الانتخابات الشكلية كاستجابة لرغبة الزعيم أو القائد.

ونستطيع أن نعدَّ من خرجوا على هذا النسق وأصروا على الاستقالة في حال قدرتهم كحالة شاذة، مثل مهدي عاكف في حالة إخوان مصر أو خالد مشعل في حركته.

والآن سيكون لدينا احتمالان لتفسير هذا الموقف؛

الأول: إما أن هذه الحركات والمؤسسات العلمية أصابها النفاق أو أصابها الفساد، فهي تعلن شيئا وتمارس عكسه.

والثاني: أن هذه الحركات والمؤسسات رأت من خلال الممارسة العملية أن عملية الانتخاب لا تأتي بالعناصر الصالحة للقيادة والعمل، فهم يتحايلون على هذه العملية بما تيسَّر لهم من الحيل.

ولا مانع أن يكون واقع الحال خليطا من هذا وذاك، شيئا من هنا وشيئا من هناك.

ولمرة أخرى، لن ندخل في هذا الجدل، ولكن: ألا تتفقون معي في أن هؤلاء العلماء وهذه الحركات الإسلامية، كان أجدر بها أن تقول:

إن هذه الفكرة الديمقراطية لا تلزمنا، ونحن أقدر على أن نستخرج من ديننا نظاما يجعلنا غير مرتبطين بفكرة التوقيت أو بفكرة الانتخابات ولكنه يجعلنا مرتبطين بتجنب الطغيان والاستئثار بالمنصب.. وذلك كي لا نضطر إلى عزل الأصلح عن منصبه وتولية من هو أضعف منه، وكي لا نُضطَرّ إلى انتظار مفاجآت الانتخابات التي لا تتوفر لها الظروف الطبيعية، حيث لا تتوفر الفرصة للقواعد لتقييم المهارات الإدارية والكفاءة في المترشحين للمناصب والولايات.

ألا تتفقون معي في أن بذل الجهد لاستخراج نظام كهذا، خير من الاستعلان بالإيمان بالديمقراطية والالتزام بالممارسة الانتخابية ثم يخرج الأمر في النهاية كنوع من المسرحية الهزلية المفضوحة؟!

السؤال هنا: هل تأتي الانتخابات دائما بمن هو أصلح وأكفأ؟

والجواب المؤكد الذي يتفق عليه الناس: لا، ليس شرطا.. قد تأتي بمن هو أصلح أو بمن هو أسوأ.

إذن، لماذا نحن مضطرون إلى اعتماد هذه الوسيلة دون غيرها؟

والجواب: لأننا لم نفكر في غيرها و/أو لا نعرف غيرها، أو لأننا نريد أن نثبت لعالمنا وحكوماتنا أننا ديمقراطيون، إحراجا لحكوماتنا و/أو إظهارا لنزاهتنا أمام الغرب.

***

أريد أن أقول بوضوح شديد، كي لا أترك أي مجال لتفسير كلامي تفسيرا خاطئا، أننا كأمة إسلامية أو كشعب مسلم أو كحركات إسلامية أو كفصائل ثورية أو .... أو .... أو ..... (أيا ما كان التوصيف).. أننا معنيون ومهتمّون ألا يتسلط علينا طاغية أو ظالم، لا بالقهر الصريح ولا بالانتخابات الشكلية.

ونحن معنيون ومهتمّون أن يسود علينا خيارُنا وأكفاؤنا سواء كان ذلك بانتخابات صحيحة أو بالموهبة والكفاءة التي أظهرتها الأيام والأحداث والتي فرضت نفسها.

ونحن معنيون ومهتمّون أن يبقى الأصلح فينا في موقعه ومكانه اللائق به، طالما كان قادرا على القيام بدوره، سواءٌ استمرّ في موقعه هذا سنة أو عشرة أو عشرين.. طالما أننا نملك دائما حق مراقبته ونصحه وتقويمه، ونملك حق عزله والخروج عليه إذا ظهر منه الفساد والانحراف.

وأنا أدافع عن موقفي هذا بعدد من الأسباب، هي كالآتي:

1. أن الديمقراطية والانتخابات فكرة أو وسيلة غربية ليست هي من ديننا، فنحن غير مُلْزَمين بها.. وإنما ننظر فيها كفكرة أو كأداة أو كوسيلة، فنأخذ بها طالما كان فيها خير للأمة، ولا نأخذ بها إن كان فيها شرٌّ للأمة.. ومسألة تأقيت عقد السلطة هذا من الأمور التي يجري فيها النظر وتقدير المصلحة والمفسدة.. فنحن غير ملزمين أن نعزل الأكفاء الأخيار لمجرد أنه قد حان وقتٌ ما يجب فيه أن ينعزلوا. ولا نحن كذلك ملزمين بالصبر على المفسدين والأشرار لمجرد أنه يلزمنا البقاء ساكتين لوقتٍ ما.

2. أن حالتنا الآن كمسلمين، وكحركات إسلامية، وكفصائل ثورية، و... و... و...، ليست هي حالة التمكن والاستقرار والراحة التي نجد فيها كثرة من الرجال القادرين على إدارة الصراعات، بل نحن في مراحل كفاح وتحرر وحروب استقلال ونزاعات مريرة مع احتلال أجنبي ومع طغيان داخلي.. ومثل هذه الأحوال لا يقوم لها إلا رجال نادرون، بما حباهم الله من المواهب والكفاءات. فليس من المعقول في هذا الحال أن نطعن أنفسنا بأيدينا، ونُلْزِم الأكفاء النادرين بمغادرة مواقعهم لمجرد أننا مخلصون للديمقراطية ومبادئها!!!

من في قادة الدول عند اللحظات الخطرة أو في زعماء الثورات وحركات التحرر أخلى موقعه خضوعا للديمقراطية؟!

3. أن الغرب الذي ابتدع الديمقراطية واخترعها وروّج لها وفلسفها وعلَّمنا إياها، هو نفسه لما رأى أن الديمقراطية تهدد مصالحه، دهسها ولم يبالي.. لم تطرف له عين ولم تهتز فيه شعرة.. وانظر إلى مذكرات أي صانع قرار أمريكي تجده يقول في بساطة ما مفاده الأخير: حين يكون الاختيار بين مصالحنا وقيمنا الأخلاقية نختار مصالحنا. لكن بعضهم أبرع من بعض في صياغة هذه العبارة بأشكال دبلوماسية وبلاغية ناعمة.

فلا يُعقل، والحال هكذا، أن نكون نحن أشد إيمانا بالديمقراطية من أهلها وأصحابها إذا كانت ضد مصالحنا.

4. أن الذين قُهِروا زمنا على الشكل الديمقراطي، بأثر من التفوق الغربي، يتحايلون عليها الآن، في الصين يُعَدَّل الدستور ليسمح للرئيس بِمُدَدٍ أخرى، وفي روسيا يدير بوتين لعبة طريفة مع أحد أتباعه (ميدفيدف) فيتبادلان موقع الرئيس ورئيس الحكومة، وفي عالمنا العربي مسرح حافل بكل مساخر الديمقراطية، استفتاءات شكلية واستفتاءات مزورة وانتخابات بين قوائم معينة واستفتاء على شخص وحيد واختيارات سابقة التجهيز وترتيبات لا تكفّ عن التجديد والإبداع غرضها واحد فقط: أن تأتي السلطة على الهوى الغربي.

فلماذا نحن من دون كل هؤلاء سنؤمن بالديمقراطية ونخضع لها مهما كانت أضرارها؟!

***

أعود فأكرر من جديد، وكمحاولة أخرى لئلا يُفهم كلامي على غير ما أقصد:

الديمقراطية والانتخابات ليست إلا وسيلة وفكرة، لسنا مجبرين على الأخذ بها ولا على الخضوع لها مهما كانت نتائجها.. ما يهمّنا الوصول إلى الغايات المقصودة من وراء الأفكار والوسائل:

ألا يتسلط علينا فاسد ولا مستبد، ألا نخسر صالحا كفئا في وقت الحاجة إليه.

هناك 8 تعليقات:

  1. غير معرف2:49 م

    بارك الله بكم على طرح هذا المعنى المهم. ويضاف إليه ويدل عليه استقراؤنا لتاريخ الدول الإسلامية منذ عصر الخلافة الراشدة، حيث تقريبا كل من اثر تأثيرا ايجابيا في دولته كان ممن طال بقاؤه في الزعامة بدء من سيدنا عمر بن الخطاب ونهاية بخلفاء العثمانيين كسليم الأول والقانوني وبينهم ملك شاه السلجوقي وصلاح الدين وهارون الرشيد... و الأمثلة كثيرة

    ردحذف
  2. لا فض فوك

    ردحذف
  3. نعم هناك صراع بين الاسلام والراسمالية

    ردحذف
  4. جزاك الله خيرا

    ردحذف
  5. يا أخي الكريم... الهدف ليس تقديس النظام الانتخابي الدوري المطبق في الغرب، لكن الهدف تولية الحفيظ العليم كما بين سيدنا يوسف ص، أي صاحب الامانة والخبرة. وهذا يحتاج لنظام ترشيح ونظام فرز وتقييم للمرشحين بناء على هذان المعياران. والنظام البرلماني هو احد وسائل ذلك، حيث يختار المواطن نائبه الذي يلتمس فيه الأهلية، ثم يقوم النائب باختيار رئيس الحكومة الذي يراه الأصلح. لو وجد نظام تقييم آخر أفضل من ذلك فالمسلمون أولى به. لكن لا يجوز ترك أمور الحكم دون نظام تقييم للحاكم. أما فكرة الانتخاب الدوري فهي غير مقدسة لكنها مناسبة لفكرة تقييم المشاريع الحكومية الخمسية، فكل مشروع يجب ان يكون له خطوات تنفيذ موزعة على مدة زمنية. هذا أمر منطقي ألا تبقى النشاريع مفتوحة الأمد دون تقييم دوري.

    ردحذف
  6. جزاكم الله خيرا.
    لقد أبدعتم ..

    لا كسر الله لكم قلما ولا جفت محابركم.

    ردحذف
  7. جزاك الله عنا خيرا

    ردحذف
  8. فتح الله عليك وزادك من علمه

    ردحذف