الاثنين، سبتمبر 12، 2011

نحو تصحيح حقيقي لمسار الثورة المصرية

كنت من الإسلاميين الذين قاطعوا هذه الجمعة، رغم أن موقفي المستمر كان هو النزول والتظاهر بل والاعتصام حتى إعلان جدول زمني لتسليم السلطة، وكنت أتمنى أن ينزل الإسلاميون بثقلهم فيها ليضبطوها وليحافظوا على حالة الزخم الثوري التي إن تراجعت فإن الثورة تكون قد تحولت إلى حكم عسكري جديد، لكن وحيث أن هذا لم يتحقق وتم نشوء الاستقطاب بين الإسلاميين والآخرين، فكان قرار المقاطعة بنظري هو الأصوب..

الفقرة السابقة ليست إلا للتوضيح، وأرجو ألا يدور حولها نقاش، فالأمر كان وانتهى، ونحن الآن نعيش توابعه.

فيما يخص هذه التوابع، أزعم أنه لا ينبغي البحث عن تحليل الحدث بقدر ما ينبغي البحث عن خريطة الفاعلين ومراتبهم ومصالحهم، الأمر جد بسيط ويفهمه كل الناس إلا جبان أو جبان يرى نفسه حكيما أو رجل يدعي الحكمة لتبرير جبنه، ولنكن صرحاء..

قصة الذرائع هذه قصة فاشلة من أولها إلى آخرها.. إن من يملك القوة والقدرة على التصرف يملك أن يحقق مصالحه، بذريعة وبغير ذريعة، وإن احتاج للذريعة فهو يدبرها لينفذ منها إلى مصالحه وأهوائه.

فمهما اجتهد الضعيف في السكوت والانسحاب لئلا تُحسب عليه النقاط وتُنسب إليه تهمة تفجير الوضع وتضييع الحل ونسف المسار، مهما اجتهد فهو لا ينجح.. انظروا إلى الفاشلين في عصابة رام الله كيف غرقوا في العمالة لإسرائيل تحت عنوان سحب الذرائع فلا هم بلغوا منها شيئا ولا هي توقفت عن حصاد النقاط مهما بلغت صورتها من الوحشية.. ولماذا نذهب صوب رام الله؟ دعنا نتحدث هنا عن الإخوان الذين بذلوا خطابا مائعا هلاميا بل هو في بعضه خطاب تجاوز الثوابت ودخل في الشذوذ الفقهي والفكري، وما رضي عنهم العلمانيون بل ما زادوهم إلا رهقا.. انظر على الجهة الأخرى كيف يتألق الخطاب الواضح للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل.

المعنى المقصود، أن من يملك الفعل هو من يملك تسخير كل حدث لمصلحته، سواء كان هذا الحدث يصب في مصلحته بطبيعة الحال أم يبدو لأول مرة وكأنه عكس المصلحة..

حسنا، أخطأ الجميع حين ترك الميدان ثقة في العسكر ليلة خلع المخلوع غير المأسوف عليه، إلا أن الخطأ الأكبر كان في الاطمئنان إلى العسكر الذين لم يبذلوا شيئا مفيدا على مسار التحول الديمقراطي حتى لحظة كتابة هذه السطور (مساء الأحد 11/9/2011)، بل ولا بذلوا شيئا على مسار إنهاء النظام القديم إلا تحت ضغط المليونيات وبكل الرقة والرأفة والتباطئ الممكن (لو أحسنا الظن بهم).. لقد ارتكب العسكر خطأ وحيدا وتعلموه جيدا ولم يكرروه، ذلك أنهم عهدوا بالتعديلات الدستورية إلى لجنة وطنية حقيقية، فصنعت لهم هذه اللجنة مسارا محكما للتحول الديمقراطي لا يزال يمثل لهم العقبة الأصعب في طريق استيلائهم على السلطة.. من بعدها يفضل العسكر الاستعانة بالشخصيات الفاسدة من النظام السابق أو الشخصيات الضعيفة التي تستعمل في المهمات القذرة فيتسلط عليها الهجوم ثم تلقى عند أول ضغط حقيقي (وما يحيى الجمل منكم ببعيد).

دعونا من الماضي.. لنبقى في اللحظة الحاضرة ولحظة المستقبل..

لم أرتح أبدا للجمعة الماضية، البرادعي (من مكان ما) يحذر من حرب أهلية، عمر عفيفي (من أمريكا) يحذر من ثورة غير سلمية، نشطاء (من تويتر) يرددون ذات الكلام.. الاستعانة بالألتراس الذي يجيد شغب الملاعب لأول مرة.. المشهد مريب، وبعد ساعات تحولت الريبة إلى يقين!

الداخلية اتهمت أصابع خارجية، و6 إبريل اتهمت أبناء مبارك، وكلها اتهامات لا قيمة لها أطلقت بدون تحقيق ولا أدلة.. الإسلاميون كانوا الأسلم بمقاطعتهم لهذه الجمعة (بيان الإخوان والدعوة السلفية بشأن المقاطعة أكثر من ممتاز)..

حسنا، إذا كان الأمر أمر أصابع خارجية، فإن الخيانة الوطنية تكمن في تحقيق طلبات الخارج وتأجيل الانتخابات البرلمانية (المؤجلة أصلا)، وإن كان الأمر أمر قلة مندسة فالخيانة الوطنية تكمن في تعليق مسار التحول الديمقراطي بسبب القلة المندسة، وإن كان الأمر أمر خلاف بين القوى السياسية، فالحقيقة التي يعلمها الجميع أن القوى السياسية الحقيقية قد قاطعت هذه الجمعة بل وشاركت في التصدي لأعمال العنف (السلفيون حموا أقسام شرطة كانوا يُعذبون فيها.. لقطة وطنية لا يراها إعلام أعمى) وعليه، فالخيانة الوطنية تكمن في وقف الذهاب نحو الانتخابات حيث تستطيع الصناديق حسم الخلافات بالصورة الأكثر تحضرا.

غير أن الكلام لا يجدي ولا ينفع، وما لم يكن صاحب الحق ذا قوة فإنه سيموت قبل أن تفصل المحاكم في قضيته، ولئن حكمت له فإنه لن يأخذ حقا إلا بقوة.

المجلس العسكري إن كان وطنيا حقا فعليه أن يترك البلاد للشعب يقرر مصيرها، ولو فعلوها فإنهم سيدخلون التاريخ من أخلد أبوابه، فانتعاش مصر أمر سيحول مجرى تاريخ العالم كله خلال السنوات القادمة، أما إذا لم يكونوا يريدون فإنهم –بما يملكون من قوة- يستطيعون تسخير الأحداث لتخدم نيتهم في البقاء ونسف التحول الديمقراطي، ولو لم يجدوا ذريعة فإنهم –بما يملكون من سلطة- يستطيعون تدبيرها.. وليس هذا جديدا فقد فعلها عبد الناصر من قبل، عليه لعنة الله والتاريخ والمصريين والمتضررين أجمعين!

نحن في لحظة تاريخية فاصلة.. لحظة يمتلك فيها الشعب روحا ثورية تجعله طرفا في معادلة القوة أمام قوة الحاكم.. بعد فترة ستنتهي لحظة الزخم الثوري وسيعود الشعب مسالما كما كان (هذه حقائق كونية لا ينبغي أن يتغافلها أو يهرب منها أحد).. في هذه السنوات لو لم نكن أنجزنا التحول الديمقراطي فينبغي أن ننتظر الجيل بعد القادم أو الذي بعده في ثورة جديدة.. سنكون قد ذهبنا مصحوبين بلعناتهم ولعنات التاريخ أيضا!

واجب الوقت هو نزول كل القوى المخلصة إلى الشارع، التظاهر والاعتصام، حتى صدور جدول زمني لتسليم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة، وينبغي أن نستفيد من دروس الماضي فيتكون لهذا الاعتصام قيادة تستطيع أن تتفاوض باسمه مع المجلس العسكري.. ولا ينبغي القبول بجدول زمني مائع أو مهترئ أو ممطوط، وكل القوى السياسية –وفي القلب منها الإسلامية- تستطيع أن تضع كل قوتها في تأمين الانتخابات أو ما شاءوا من إجراءات ضرورية لهذا التحول الديمقراطي!

الإسلاميون قبل الجميع يجب أن يعلموا أنهم أبطال هذه اللحظة أو أنذالها، هم القوة الأكبر في هذه البلد، وهم القادرون على الحشد والتأثير والتجميع، وهم الذين لو فشلت هذه الثورة سيكونون أول ضحاياها (مثلما لو أنها فشلت في خلع المخلوع، لكانوا الآن في السجون أو في القبور).. إن اللقطة التاريخية الآن تشبه مثيلتها قبل نصف قرن إلى حد مدهش، إن أخطاء الهضيبي وعبد القادر عودة وآخرين (أثابهم الله على نواياهم) جعلت الحكم العسكري يتوحش في مصر ويُرْديها إلى العمالة للأمريكان والإسرائيليين.. فلو أن المشهد تكرر مرة أخرى، فنحن حقا قوم لا نستحق الحياة.. ويجب أن تتطهر منا هذه الأرض عسى الله أن يستبدل لها قوما آخرين!

نشر في شبكة رصد الإخبارية

هناك 7 تعليقات:

  1. غير معرف4:29 م

    رائع كالعادة
    المقال كله جميل باستثناء نقطة دفاع السلفيين عن أقسام الشرطة
    الشرطة اليوم ظالم فى ثوب مظلوم بمعنى أنها تجنى ثمار ظلم وبطش وطغيان أوقعته على الشعب المصرى عشرات السنين وحتى فى أثناء الثورة بالقتل وإطلاق السجناء والمجرمين وبعد الثورة بإطلاق البلطجية لترويع الآمنين
    فالدفاع عنهم اليوم يؤكد أوهام البعض بأن السلفيين كانوا عملاء للأمن

    غير هذه النقطة فالمقال رائع ويا ليت الإسلاميين يعوا هذا الكلام ويكفوا عن وصلات المديح فى المجلس العسكرى

    ردحذف
  2. 1. مظاهرة 9/9 كانت ناجحة وباعداد كبيرة حتى وان لم ترق للمليونيات الكبيرة لكن الاعداد كانت ضخمة ولم تقتصر على التحرير بل على ميادين كثيرة في كل مصر
    2. المسئول عن تنظيم اليوم مسئول عن الاماكن المعلنة. الدعوة كانت في التحرير وحدوث شغب امام السفارة ليس مسئولية من نظموا الحدث والا فكان على وزارة الداخلية تسليمهم مسئولية الامن في كل الجمهورية
    3. لأنني كنت شاهد عيان, فالتحريض ضد السفارة كان على كل منصات التحرير وخرجت دعوات بمنح مهلة حتى الخميس التالي وإلا سيتم هدم السور, بعضها انفصلت مجموعة من المتظاهرين واتجهت للسفارة وبدأت في هجم السور, فالامر وزإن احتمل مؤامرة ما فهو في النهاية نابع من تلقائية الشعب المصري الغاضب الذي يشعر بجرح كرامته
    4. الدعوة كانت لثلاث أسباب منها تحديد جدول زمني للانتخابات أي أنها موافقة تماما لمطالب الاسلاميين, والهروب من حضورها بزعم أنفراد بعض القوى بالدعوة لليوم (لا ألإهم كيف!) أشبه ببيانات رفض المشاركة في 6ابريل 2008 و25يناير 2011 لعدم معرفة من هذه القوى الغامضة التي تدعو لليوم كما قالت احزاب المعارضة الكارتونية. هناك مجموعات صغيرة متطرفة دعت لليوم بدعوات مستقلة تحمل تعصبا ودعوة للمواجهة ولم يقولوا ان 6ابريل وكلنا خالد سعيد انفردوا بالدعوة, بل حاولوا المزاحمة
    5. كان هناك اسلاميين كثر في الميدان سلفيين واخوان ومستقلين (وانا من الاخيرين أو اعتبر نفسي اقرب لذلك)
    دع عنك حجة البرادعي قال فيجب علينا مخالفته فهو شخصية ضعيفة أصبح الناس تنفض من حوله واما عفيفي فاتباعه بضع مئات ,اغلب متابعيه يعتبرونه فقرة كوميدية وان كان ياتي احيانا بتحذيرات حقيقية
    من نظموا اليوم نظموه لأاهداف وطنية ومن لم يشارك لاسباب فئوية فهذا وزره وعليه الا ينفيه بحجج بائخة ومن نظموه نجحوا في التنظيم وليسوا مسئولين عما حدث خارج التحرير والأهم من كل هذا الكوم من العتاب والتبرئات التي تشغل مساحة كبيرة في مقالك هو التركيز على الاسباب الرئيسية للأمر وعلى المطالب التي يتفق عليها الجميع

    ردحذف
  3. I agree with ur comment ثلاثة من بيتنا
    الحجة بان هناك دعوات للعنف هي حجة واهيه و الا كانت نفس الحجة قابلة للتطبيق يوم جمعة للغضب و بيان الدعوة السلفية بيان اعرج لا يختلف كثيرا عن مواقفهم ابان الثورة و ان كان في الميدان بعض اتباعهم رغما عنهم
    وصفك لعبدالناصر لا يجوز من من يدعي التأريخ و ان كنت اراه يستحقه لانه يخلق مزيدا من الاستقطاب كباقي المقال

    ردحذف
  4. غير معرف7:44 ص

    أعتذر انى مش هعلق على المقال الجامد دا...بس أنا مسئول عن انشاء موقع نهضة (أول موقع سياسى فى مصر) (Nahdah.org)...وكنت عايز اقوم بنشر بعض من مقالاتك على الموقع...ياريت نتواصل (nahdah@nahdah.org)..شكرا

    ردحذف
  5. المقالة رائعة كأغلب مقالات حضرتك
    وسبحان الله أنا طول ما بقرأها كنت قاعدة بقول "صح, والله ده اللي حاسيته"

    ليه نقد واحد فقط (وده لتقديري لعلم حضرتك) وهو لما حضرتك قلت "لعنة الله والتاريخ والمصريين والمتضررين أجمعين"

    مع علمي بمصائب جمال عبد الناصر ولما وعد بالحرية والعدالة وتطبيق الشريعة وبعد ما مسك الحكم أعدم أكتر من 18 ألف من الأخوان وعلى رأسهم "عبد القادر عودة" ربنا يرحمه اللي كان أكتر واحد بيدافع عنه داخل الأخوان
    بس مع ذلك هل أنت على يقين أن ربنا لعنه (أي أخرجه من رحمته)

    عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها )

    "و من لعن مؤمناً فهو كقَتْلِهِ " رواه البخاري

    ( إني لم أبعث لعانا و إنما بعثت رحمة )
    ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء )
    عن أبي الدرداء رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة )

    والله شهيد أني لم أقلها ألا لحبي لك أخي فالله, رغم ذنوب جمال عبد الناصر فقد مات مسلما موحدا, فليكن نصيبه من النار على قدر عمله بعمل أهلها فالدنيا

    وجزاك الله خيرا عالمقالة الرائعة

    ردحذف
  6. غير معرف1:05 ص

    من قال أنه مات مسلما موحدا؟ من أدراك؟

    ردحذف
  7. الموضوع رائع اللهم انصر المسلمين ف مشارق الارض ومغاربها

    ردحذف