كان الاجتياح المغولي للعالم الإسلامي واحدا من أقسى الضربات التي تعرضت لها المسيرة الإسلامية، وهي لحظة فارقة في تاريخ العالم الإسلامي، ولقد بدت هذه الفترة في النصف الأول من القرن السابع الهجري وكأنها تشهد انحسار الإسلام وذبوله، ففي الشرق مذابح المغول واكتساحهم البلاد، وفي الغرب تنهار دولة الموحدين بعد معركة العقاب، وبانهيارها تساقطت حواضر الإسلام الكبرى في الأندلس مثل قرطبة وإشبيلية وما سواهما، وبدا التاريخ وكأنه يكتب تآكل الامبراطورية الإسلامية من ذات اليمين وذات الشمال.
لكن لم يكن إلا أعوام وتتحول دولة المغول الكبرى التي بناها جنكيز خان إلى أربعة ممالك كبرى، ثم ليست إلا أعواما أخرى تقل أو تكثر حتى تحولت هذه الممالك الأربعة إلى الإسلام، فدخل الغالبون في دين المغلوبين، وانتصرت القوة الحضارية الإسلامية على القوة العسكرية المغولية.
ما زال لا يعرف الكثير عن تفاصيل دخول ملوك المغول في الإسلام، إلا أن القليل مما أبقته لنا التواريخ يشير إلى شيء منزوٍ هناك في زاوية من زوايا التاريخ.
لقد استطاعت النساء المسلمات المأخوذات سبايا خلال الحروب المغولية الإسلامية، ولاسيما أولئك الذين انتهت بهن تصاريف الأيام إلى ملوك التتار أن يصنعن شيئا عجبا.
فالأميرة رسالة بنت السلطان علاء الدين خوارزم شاه، وأخت السلطان جلال الدين منكبرتي آخر سلاطين الدولة الخوارزمية، كانت من نصيب جوجي ابن جنكيز خان، فعاشت في أسرة جوجي، ومن العجب أن الأميرة رسالة التي كانت على هامش التاريخ في دولة أبيها وأخيها لم ترض أن تكون على هامش التاريخ وهي أسيرة من السبي. لقد كان لها التأثير الملموس على أسرة جوجي ولا سيما على ابنيه “باتو” و “بركة”، وهما اللذان تزعما فيما بعد فرع القبيلة الذهبية المغولية، تلك القبيلة التي سيطرت على شمال المملكة المغولية في القوقاز وروسيا، وكانت أولى الممالك دخولا في الإسلام.
كانت الإمبراطورية المغولية تضطهد المسلمين الذين صاروا تحت سلطانها، لكن الوضع كان مغايرا في القبيلة الذهبية، فلقد عُرف “باتو” بعطفه على المسلمين وإن لم يكن قد دخل في الإسلام، وبعد موته جاء بركة خان الذي أسلم وبايع الخليفة المستنصر آخر خلفاء العباسيين (لم تكن قد سقطت بغداد بعد)، وكان إسلامه حدثا عظيما، فلقد خرج الرجل بهذا الإسلام من كل عصبية قومية، وحاول جهده أن يوقف زحف هولاكو على الأرض الإسلامية، بل وحارب هولاكو في أكثر من موقعة، وتحالف مع المماليك -لا سيما الظاهر بيبرس- ضد هولاكو، وكان هو العامل الأهم في إسلام القبيلة الذهبية واستقرار هذا الدين في مناطق روسيا والقوقاز قرونا بعد ذلك.
وبعد نصف قرن من دخول المغول بغداد، سيدخل سابع الأيلخانات (الملوك) المغول في فارس في الإسلام، اسمه “غازان خان”، وهو لم يكن أول الملوك الذين دخلوا الإسلام في أيلخانية (مملكة) فارس المغولية، ولكن هو الذي يؤرخ به لدخول المغول في فارس في الإسلام. لكن الأهم –في سياقنا هنا- كان فيمن خلفه على العرش، فلقد خلفه أخوه أوليجاتو وهو الذي كان نصرانيًّا وتعمد وتسمى بنقولا، ذلك أن أمه كانت على النصرانية التي انتشرت لبعض الوقت عند ملوك المغول لأسباب ليس الآن مجال ذكرها، غير أن “نقولا” لم يلبث أن أسلم وهو شاب في مقتبل العمر “بتأثير من زوجته”، وبهذا الإسلام تجذر إسلام المغول في أرض فارس.
ثمة زوجة أخرى مسلمة لا نعرف إلا أنها “أرغنة Organa” يُرجع إليها المؤرخون إسلام ابنها “مبارك شاه”، الذي تولى الملك على الفرع الأوسط لمملكة الأولى (سيطر على وسط آسيا)، ولن نعرف هذا الإنجاز الذي قامت به هذه الزوجة إلا إذا علمنا أنها كانت زوجة قرة هولاكو الذي هو حفيد جغطائي بن جنكيز خان الذي كان ألد أعداء المسلمين من بين خانات المغول كافة، ولم يكن يطيق أن ينطق أحد بكلمة مسلم في حضرته، اللهم على سبيل التحقير.
وحقا، إن لله جنودا لم تروها، فمن كان يفكر في أن سبية قد أخذت في الحرب قهرا فكان أخذها انتهاكا لحرمات المسلمين وأعراضهم، هي نفسها التي ستفتح بابا عجزت سيوف الدول والرجال أن تفتحه؟؟
وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة))؛ رواه أحمد وابن ماجه وحسنه الألباني.
نشر في الألوكة و منارات وقصة الإسلام
ونشر مترجما في الألوكة الإنجليزية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق