للكتب المصادرة مذاق خاص ، فهى فضلا عن قيمتها حيث لاتصادر فى بلادنا إلا الكتب القيمة ، إلا أنها ترسل نشويقا نحو مطالعة هذا الذى أزعج الأوصياء علينا فمنعوه من الوصول إلى أفكار الناس .
منذ حصلت على نسخة من رواية ( مباحث أمن الوطن ) للكاتب المعروف د. محمد عباس ، وهى نسخة إليكترونية بالمناسبة يمكن لأى أحد الحصول عليها من موقعه على الانترنت www.mohamadabbas.net سهرت عليها حتى أنهيتها رغم ماتحمله فى كل كلمة من مرارة ورعب ومشاعر نفسية يبرع قلم الدكتور عباس فى الإبحار فيها ليصوغها فى ألفاظ .
وإن كنت مؤمنا أن المشاعر لايمكن وصفها بأى قلم ، إلا أن الله قد أنعم على الأدباء بقلم يستطيع الوصول إلى أقرب الألفاظ التى تعطى الإيحاء المناسب .
الرعب والخوف والمرارة التى تحملها الرواية جعلتنى أرى حكمة الله فى مصادرتها ، فهى تلقى فى قلب القارئ رعبا حقيقيا من هذا الجهاز الذى يحمل اسم ( مباحث أمن الوطن ) ، ومن الخير أن تدافع عن الحق وعن الخير دون أن تعرف قوة الباطل وشراسته .. فلربما كانت المعرفة تضعف النفس وتلقى فيها الخوف وتغريها بالبعد عن الشر وسد باب الريح .. والسلبية والصمت والسكوت .
أؤكد فى البداية أنى لست أكثر من متذوق للأدب .. ولا افهم شيئا فى مجال النقد الأدبى ، ولا أكتب تعليقا ولا تحليلا بقدر ماهو رأى أو رؤية قارئ عادى جدا جدا .
أذكر أن الرواية استغرقت منى ثلاث ساعات وانا جالس على جهاز الكمبيوتر أطالعها دون أن أستطع الالتفات عنها مطلقا .. رغم أنى لا أراها تشويقية تشد الأذهان إلى هذه الدرجة .. إلا أن فيها خيطا قويا متينا يجذب القارئ نحو مواصلتها .. أو لربما كنت أنا الذى استشعرت هذا الخيط وحدى .
تحكى الرواية عن المهندس على هاشم رجل الأعمال الكبير ذو العلاقات النافذة الذى يأتيه خطاب استدعاء من مباحث أمن الوطن يحمله مخبر جامد صلد صلب لم يتأثر بالفخامة التى عليها مكتب المهندس ولا حتى بأناقته ومكانته .. بل سلمه الاستدعاء ولم يتكلم أكثر من عبارات صغيرة مقتضبة كإجابة على اسئلة بسيطة حاول بها المهندس على تطمين نفسه وبث الرهبة فى قلب المخبر .. فإذا بهذه الإجابات تزيده رعبا .
ويتفتت قلب المهندس المحترم وتجتاحه أعاصير القلق والرعب حول مالذى يمكن أن يكون قد أغضب عليه هذا الجهاز الرهيب الذى يسمى ( مباحث أمن الوطن ) ، ويبدأ فى البحث عن علاقاته التى يمكن أن يستفيد بها فى هذه المحنة العظيمة ، لكنه يبدأ فى استبعاد الجميع لأنه لا يرى فيهم أحدا يمكنه أن يساعد فى شئ طالما كان طرفا فيه جهاز ( مباحث أمن الوطن ) .
يشمت به سكرتيره الخاص لأول مرة ، وتلمع فى عينيه نظرات التشفى واسئلة الإذلال حين حاول المهندس أن يلغى مواعيد الغد لهذا الاستدعاء الطارئ .. فيذكره بأهمية هذا الموعد ، ثم يسأله متى يعود .. فى لمحات من الإذلال التى يحترق لها صدر رجل الأعمال الكبير .
تدور الرواية فى زمن قدره يوم ونصف منذ وصول الاستدعاء للمهندس على هاشم وإلى حين دخوله غرفة اللواء حسين بركة الذى كتب اسمه على الاستدعاء .
فى هذا اليوم والنصف يبدأ المهندس على هاشم فى اجترار كل الذكريات والمعلومات التى يعرفها عن ( مباحث أمن الوطن ) فيتذكر فجأة بشكل يندهش له هو نفسه حكايات وتفصيلات كثيرة ، كانت مباحث أمن الوطن طرفا فيها .. ويتعجب من سيل الذكريات والمعلومات التى يختزنها عقله ، حتى تخيل أنه لوسئل فيما قبل هذا الاستدعاء عن معلوماته عن مباحث أمن الوطن لأجاب فى تلقائية : لا اعرف شيئا .. لنه مكان لم يدخله ولم يتعامل معه ولا حاجة له به .. حيث أن المهندس على هاشم من رجال الأعمال الذين لا يتحدثون فى السياسة ، بل ولا يتابعون الأخبار لأنها أخبار كاذبة .. يستطيع معرفة الأخبار الحقيقية فى جلسات خاصة .. لكنه يرقب اتجاهات السياسة بحساسية فلا يتعامل مع دولة أعداء أو حتى شبه أعداء أو يمكن أن يكونوا فى يوم ما أعداء للدولة .. ورغم هذا الحرص والاحتياط فإنه كثيرا ماتنقلب الأمور والاتجاهات السياسية فيضطر لإلغاء عقوده مع الدول التى تغيرت الريح عنها .
يتجنب مناقصات الوزارات الحساسة كالدفاع مثلا اقتداء بالمقاول الذى تحول فى لحظة إلى خائن ألقى فى السجن لأن قريبه سرب بعض أسرار مناقصات وزارة الدفاع .. وحوكم القريب وخرج المقاول سالما .. إلا أنه لايحاول الدخول فى هذا المضمار رغم خرافية مكاسبه .. فمن يدرى هل يكتشف الأمر بعد حبل المشنقة أم قبله .
يطلب المستشار الأمنى لشركاته عبر الهاتف الخاص جدا ، فلقد كان ضابطا سابقا بمباحث أمن الوطن ، الذى يفاجأ بالأمر ويغلق الهاتف ثم بعد فترة توتر يندفع إلى مكتبه طالبا منه السكوت ويجرده من كل متعلقاته ويأخذه بسيارته الخاصة إلى مكان صحراوى بعيد لتجنب التجسس والتتبع من مباحث أمن الوطن .. ليخبره بأنه لايستطيع أن يفعل له شيئا ، ثم يحكى الضابط السابق عن ذكرياته مع مباحث أمن الوطن ، وكيف أنهم متجردون من الإنسانية .. وأن هذا التجرد هو الشئ المطلوب لذاته لا لكون وسيلة لتنفيذ الأوامر .. وأن المطرود منهم يجب أن تقطع كل علاقة معه .
ثم يحكى له عن حكاية سابقة تم أمره فيها بمهاجمة عزاء على أنه تهريب منشورات ، فلما مزق الكفن إذ به يجد جثة طفل صغير ميت فيلتاع لأنه مزق حرمة الميت ، ويحاول طلب السماح من والد الصغير الذى يصر على عدم دفن الجثة ويترك الجثة ويمضى .. ثم يفاجأ بأن رئيسه كان يعلم بأنه لامنشورات ولكن أراد تدريبه عن انتهالك حرمة الموت .
هذا الموقف كان يراه المهندس على هاشم بالصدفة .. وتابع من خلاله أخبار هذا الضابط ، ثم عينه مستشارا عنده حين خرج من الجهاز لكى يأمنه أو لكى ينتقم منه بأسلوب التحكم فى معيشته .. أو لسبب آخر لايعرفه .
وعبر هذا اليوم يتذكر المهندس صديقه الوحيد الذى صادقه عن حب ، وهو الدكتور المصرى الأصل الأمريكى الجنسية الذى طلب منه مسئول كبير أن يعود من أمريكا ليترأس كلية الطب فى مصر لكى يرفعها إلى مستوى العالمية .. ثم يحاول الرجل فيفاجا بأنه قد ألقى القبض عليه بتهم اختلاسات كثيرة كان واضحا أنه أُتى به من أمريكا لكى يكون غطاء لهذه الاختلاسات التى ارتكبها كبار .. زاد الطين بلة أنه لم يكن يحتفظ بوثائق تبرئه لأنه لم يتوقع هذا .. واستمرت القضية فى المحاكم 11 عاما كان ممنوعا فيها من السفر ، ثم صدر حكم البراءة ليموت الرجل فى ثانى يوم من خروجه .. بعد أن تم تعذيبه داخل السجن وتعرف فيه على أنواع المجرمين ، ولم يكن يتخيل قبل مرحلة السجن التى سبقت جلسات صدور الحكم أنه سيسجن بل كان مازال يرى أنه سيتم الاعتذار له والرجاء أن يعود للعمادة فيرفض هو الطلب .
سنكتشف فى آخر الرواية أنه خرج براءة بعد أن استجابت زوجته الأمريكية لابتزاز مسؤول كبير بعد رحلة ضغط طويلة ومرهقة فسلمت له نفسها ليتغير مسار القضية من التعقيد نحو البراءة .
ثم يتذكر المهندس قصص الأب يوحنا الذى أتاه استدعاء لتصفية حوادث الوحدة الوطنية .. فإذا به يدخل ليتلقى علقة ساخنة من العساكر والضباط تؤدى إلى موته ، هذه القصة التى كان قد رواها له ابن صديقه الذى يعمل ضابطا .
كذا قصة الطبيب الشاب الذى رفض الاستجابة لكتابة تقرير اختلال نفسى لأحد المتهمين ، فتم تعذيبه وسجنه ثم منعه من السفر ، ولما سافر لبعثة علمية بعد فترة كان الطبيب يحاول فضح الانتهاكات التى تحدث فى مصر .. وماهى إلا أيام حتى أذيع خبر انتحاره .. فلما ذهب يعزى والده فيه أخبره الوالد بأنه قتل وأن الشرطة البريطانية كانت متعاونة مع ( مباحث أمن الوطن ) فى قتله هناك .. وانه كان قد تلقى تحذيرات وتهديدات تطالبه بأن يكف ولده عما يفعل .
وهكذا يجرى السياق الدرامى ، عبر اليوم والنصف .. ينتقل من ذكريات أخرى تلقى رعبا أشد وابشع فى نفس المهندس .. إلى مشاهد من حياته الواقعية التى يدافع فيها عن النظام لشعوره بأنه مراقب عسى أن يجعل هذا له يدا فى لقاء الغد ، ويحاول البحث عن الأشياء التى يمكن أن يكون أخطا فيها فأثارت عليه ( مباحث أمن الوطن ) فلا يجد .
تحاول الرواية رصد مشاعر الغربيين نحو الشعوب العربية من خلال الزوجة الأمريكية التى تشتعل نارا مع قضية زوجها التى تتصاعد ، ثم مع ابتزاز المسؤول الكبير وحتى استجابتها له من أجل زوجها ، وتصرح بأنه لم يرها أحد إلا وحاول الاستمتاع بها ، حتى قبل خروجها من مصر بعد وفاة الزوج اشتعلت قضية بينها وبين أهل زوجها بخصوص حضانة الأطفال التى صممت ألا تفرط فيها ليعيشوا فى هذا الشعب وفى هذه المنطقة التى تعتبر حظيرة من الخنازير تنتظر الذبح .. وأنها لن تقف أبدا مع القضايا العربية التى كانت تقف معها فى بلادها سابقا .. بل ستصر على أن تأتى القوات الغربية والأمريكية لكى تنظف العالم من هذه الخنازير .. لأنهم بشر لايستحقون الحياة .
ثم تصل الرواية إلى آخرها بدخول المهندس المبنى الرهيب فى اليوم التالى ليقضى فيه أوقاتا طويلة منتظرا الدخول ، أمام ضابط أمامه جهاز كمبيوتر تعكس صورته الكثير من الزوايا ليراها منه ، وقد كان الكمبيوتر يعرض صور فضائحه العملية والجنسية ولقاءاته مع الجميع سواء الأصدقاء فى العمل أو الشخصيين أو ناجى أو زوجته الأمريكية أو صفقاته وفساده وتزويره فى الأوراق ورشاواه التى دفعها ... وحتى لقاءه فى الصحراء مع مستشاره الأمنى والضابط السابق .. وبعد أن يقع قلبه بين قدميه يكتشف فجأة أنه طالما كان كل هذا معروفا لهم منذ زمن ولم يُعاقب عليه فمعنى هذا أنهم لن يعاقبونه الآن .. إذن هو هنا ليس للعقاب .
حينها يعرف أنه سيكون وزيرا فى اليوم التالى .
وهنا تنتهى الرواية وهو فى طريقه إلى مكتب اللواء حسين بركة .
9/3/2006
منذ حصلت على نسخة من رواية ( مباحث أمن الوطن ) للكاتب المعروف د. محمد عباس ، وهى نسخة إليكترونية بالمناسبة يمكن لأى أحد الحصول عليها من موقعه على الانترنت www.mohamadabbas.net سهرت عليها حتى أنهيتها رغم ماتحمله فى كل كلمة من مرارة ورعب ومشاعر نفسية يبرع قلم الدكتور عباس فى الإبحار فيها ليصوغها فى ألفاظ .
وإن كنت مؤمنا أن المشاعر لايمكن وصفها بأى قلم ، إلا أن الله قد أنعم على الأدباء بقلم يستطيع الوصول إلى أقرب الألفاظ التى تعطى الإيحاء المناسب .
الرعب والخوف والمرارة التى تحملها الرواية جعلتنى أرى حكمة الله فى مصادرتها ، فهى تلقى فى قلب القارئ رعبا حقيقيا من هذا الجهاز الذى يحمل اسم ( مباحث أمن الوطن ) ، ومن الخير أن تدافع عن الحق وعن الخير دون أن تعرف قوة الباطل وشراسته .. فلربما كانت المعرفة تضعف النفس وتلقى فيها الخوف وتغريها بالبعد عن الشر وسد باب الريح .. والسلبية والصمت والسكوت .
أؤكد فى البداية أنى لست أكثر من متذوق للأدب .. ولا افهم شيئا فى مجال النقد الأدبى ، ولا أكتب تعليقا ولا تحليلا بقدر ماهو رأى أو رؤية قارئ عادى جدا جدا .
أذكر أن الرواية استغرقت منى ثلاث ساعات وانا جالس على جهاز الكمبيوتر أطالعها دون أن أستطع الالتفات عنها مطلقا .. رغم أنى لا أراها تشويقية تشد الأذهان إلى هذه الدرجة .. إلا أن فيها خيطا قويا متينا يجذب القارئ نحو مواصلتها .. أو لربما كنت أنا الذى استشعرت هذا الخيط وحدى .
تحكى الرواية عن المهندس على هاشم رجل الأعمال الكبير ذو العلاقات النافذة الذى يأتيه خطاب استدعاء من مباحث أمن الوطن يحمله مخبر جامد صلد صلب لم يتأثر بالفخامة التى عليها مكتب المهندس ولا حتى بأناقته ومكانته .. بل سلمه الاستدعاء ولم يتكلم أكثر من عبارات صغيرة مقتضبة كإجابة على اسئلة بسيطة حاول بها المهندس على تطمين نفسه وبث الرهبة فى قلب المخبر .. فإذا بهذه الإجابات تزيده رعبا .
ويتفتت قلب المهندس المحترم وتجتاحه أعاصير القلق والرعب حول مالذى يمكن أن يكون قد أغضب عليه هذا الجهاز الرهيب الذى يسمى ( مباحث أمن الوطن ) ، ويبدأ فى البحث عن علاقاته التى يمكن أن يستفيد بها فى هذه المحنة العظيمة ، لكنه يبدأ فى استبعاد الجميع لأنه لا يرى فيهم أحدا يمكنه أن يساعد فى شئ طالما كان طرفا فيه جهاز ( مباحث أمن الوطن ) .
يشمت به سكرتيره الخاص لأول مرة ، وتلمع فى عينيه نظرات التشفى واسئلة الإذلال حين حاول المهندس أن يلغى مواعيد الغد لهذا الاستدعاء الطارئ .. فيذكره بأهمية هذا الموعد ، ثم يسأله متى يعود .. فى لمحات من الإذلال التى يحترق لها صدر رجل الأعمال الكبير .
تدور الرواية فى زمن قدره يوم ونصف منذ وصول الاستدعاء للمهندس على هاشم وإلى حين دخوله غرفة اللواء حسين بركة الذى كتب اسمه على الاستدعاء .
فى هذا اليوم والنصف يبدأ المهندس على هاشم فى اجترار كل الذكريات والمعلومات التى يعرفها عن ( مباحث أمن الوطن ) فيتذكر فجأة بشكل يندهش له هو نفسه حكايات وتفصيلات كثيرة ، كانت مباحث أمن الوطن طرفا فيها .. ويتعجب من سيل الذكريات والمعلومات التى يختزنها عقله ، حتى تخيل أنه لوسئل فيما قبل هذا الاستدعاء عن معلوماته عن مباحث أمن الوطن لأجاب فى تلقائية : لا اعرف شيئا .. لنه مكان لم يدخله ولم يتعامل معه ولا حاجة له به .. حيث أن المهندس على هاشم من رجال الأعمال الذين لا يتحدثون فى السياسة ، بل ولا يتابعون الأخبار لأنها أخبار كاذبة .. يستطيع معرفة الأخبار الحقيقية فى جلسات خاصة .. لكنه يرقب اتجاهات السياسة بحساسية فلا يتعامل مع دولة أعداء أو حتى شبه أعداء أو يمكن أن يكونوا فى يوم ما أعداء للدولة .. ورغم هذا الحرص والاحتياط فإنه كثيرا ماتنقلب الأمور والاتجاهات السياسية فيضطر لإلغاء عقوده مع الدول التى تغيرت الريح عنها .
يتجنب مناقصات الوزارات الحساسة كالدفاع مثلا اقتداء بالمقاول الذى تحول فى لحظة إلى خائن ألقى فى السجن لأن قريبه سرب بعض أسرار مناقصات وزارة الدفاع .. وحوكم القريب وخرج المقاول سالما .. إلا أنه لايحاول الدخول فى هذا المضمار رغم خرافية مكاسبه .. فمن يدرى هل يكتشف الأمر بعد حبل المشنقة أم قبله .
يطلب المستشار الأمنى لشركاته عبر الهاتف الخاص جدا ، فلقد كان ضابطا سابقا بمباحث أمن الوطن ، الذى يفاجأ بالأمر ويغلق الهاتف ثم بعد فترة توتر يندفع إلى مكتبه طالبا منه السكوت ويجرده من كل متعلقاته ويأخذه بسيارته الخاصة إلى مكان صحراوى بعيد لتجنب التجسس والتتبع من مباحث أمن الوطن .. ليخبره بأنه لايستطيع أن يفعل له شيئا ، ثم يحكى الضابط السابق عن ذكرياته مع مباحث أمن الوطن ، وكيف أنهم متجردون من الإنسانية .. وأن هذا التجرد هو الشئ المطلوب لذاته لا لكون وسيلة لتنفيذ الأوامر .. وأن المطرود منهم يجب أن تقطع كل علاقة معه .
ثم يحكى له عن حكاية سابقة تم أمره فيها بمهاجمة عزاء على أنه تهريب منشورات ، فلما مزق الكفن إذ به يجد جثة طفل صغير ميت فيلتاع لأنه مزق حرمة الميت ، ويحاول طلب السماح من والد الصغير الذى يصر على عدم دفن الجثة ويترك الجثة ويمضى .. ثم يفاجأ بأن رئيسه كان يعلم بأنه لامنشورات ولكن أراد تدريبه عن انتهالك حرمة الموت .
هذا الموقف كان يراه المهندس على هاشم بالصدفة .. وتابع من خلاله أخبار هذا الضابط ، ثم عينه مستشارا عنده حين خرج من الجهاز لكى يأمنه أو لكى ينتقم منه بأسلوب التحكم فى معيشته .. أو لسبب آخر لايعرفه .
وعبر هذا اليوم يتذكر المهندس صديقه الوحيد الذى صادقه عن حب ، وهو الدكتور المصرى الأصل الأمريكى الجنسية الذى طلب منه مسئول كبير أن يعود من أمريكا ليترأس كلية الطب فى مصر لكى يرفعها إلى مستوى العالمية .. ثم يحاول الرجل فيفاجا بأنه قد ألقى القبض عليه بتهم اختلاسات كثيرة كان واضحا أنه أُتى به من أمريكا لكى يكون غطاء لهذه الاختلاسات التى ارتكبها كبار .. زاد الطين بلة أنه لم يكن يحتفظ بوثائق تبرئه لأنه لم يتوقع هذا .. واستمرت القضية فى المحاكم 11 عاما كان ممنوعا فيها من السفر ، ثم صدر حكم البراءة ليموت الرجل فى ثانى يوم من خروجه .. بعد أن تم تعذيبه داخل السجن وتعرف فيه على أنواع المجرمين ، ولم يكن يتخيل قبل مرحلة السجن التى سبقت جلسات صدور الحكم أنه سيسجن بل كان مازال يرى أنه سيتم الاعتذار له والرجاء أن يعود للعمادة فيرفض هو الطلب .
سنكتشف فى آخر الرواية أنه خرج براءة بعد أن استجابت زوجته الأمريكية لابتزاز مسؤول كبير بعد رحلة ضغط طويلة ومرهقة فسلمت له نفسها ليتغير مسار القضية من التعقيد نحو البراءة .
ثم يتذكر المهندس قصص الأب يوحنا الذى أتاه استدعاء لتصفية حوادث الوحدة الوطنية .. فإذا به يدخل ليتلقى علقة ساخنة من العساكر والضباط تؤدى إلى موته ، هذه القصة التى كان قد رواها له ابن صديقه الذى يعمل ضابطا .
كذا قصة الطبيب الشاب الذى رفض الاستجابة لكتابة تقرير اختلال نفسى لأحد المتهمين ، فتم تعذيبه وسجنه ثم منعه من السفر ، ولما سافر لبعثة علمية بعد فترة كان الطبيب يحاول فضح الانتهاكات التى تحدث فى مصر .. وماهى إلا أيام حتى أذيع خبر انتحاره .. فلما ذهب يعزى والده فيه أخبره الوالد بأنه قتل وأن الشرطة البريطانية كانت متعاونة مع ( مباحث أمن الوطن ) فى قتله هناك .. وانه كان قد تلقى تحذيرات وتهديدات تطالبه بأن يكف ولده عما يفعل .
وهكذا يجرى السياق الدرامى ، عبر اليوم والنصف .. ينتقل من ذكريات أخرى تلقى رعبا أشد وابشع فى نفس المهندس .. إلى مشاهد من حياته الواقعية التى يدافع فيها عن النظام لشعوره بأنه مراقب عسى أن يجعل هذا له يدا فى لقاء الغد ، ويحاول البحث عن الأشياء التى يمكن أن يكون أخطا فيها فأثارت عليه ( مباحث أمن الوطن ) فلا يجد .
تحاول الرواية رصد مشاعر الغربيين نحو الشعوب العربية من خلال الزوجة الأمريكية التى تشتعل نارا مع قضية زوجها التى تتصاعد ، ثم مع ابتزاز المسؤول الكبير وحتى استجابتها له من أجل زوجها ، وتصرح بأنه لم يرها أحد إلا وحاول الاستمتاع بها ، حتى قبل خروجها من مصر بعد وفاة الزوج اشتعلت قضية بينها وبين أهل زوجها بخصوص حضانة الأطفال التى صممت ألا تفرط فيها ليعيشوا فى هذا الشعب وفى هذه المنطقة التى تعتبر حظيرة من الخنازير تنتظر الذبح .. وأنها لن تقف أبدا مع القضايا العربية التى كانت تقف معها فى بلادها سابقا .. بل ستصر على أن تأتى القوات الغربية والأمريكية لكى تنظف العالم من هذه الخنازير .. لأنهم بشر لايستحقون الحياة .
ثم تصل الرواية إلى آخرها بدخول المهندس المبنى الرهيب فى اليوم التالى ليقضى فيه أوقاتا طويلة منتظرا الدخول ، أمام ضابط أمامه جهاز كمبيوتر تعكس صورته الكثير من الزوايا ليراها منه ، وقد كان الكمبيوتر يعرض صور فضائحه العملية والجنسية ولقاءاته مع الجميع سواء الأصدقاء فى العمل أو الشخصيين أو ناجى أو زوجته الأمريكية أو صفقاته وفساده وتزويره فى الأوراق ورشاواه التى دفعها ... وحتى لقاءه فى الصحراء مع مستشاره الأمنى والضابط السابق .. وبعد أن يقع قلبه بين قدميه يكتشف فجأة أنه طالما كان كل هذا معروفا لهم منذ زمن ولم يُعاقب عليه فمعنى هذا أنهم لن يعاقبونه الآن .. إذن هو هنا ليس للعقاب .
حينها يعرف أنه سيكون وزيرا فى اليوم التالى .
وهنا تنتهى الرواية وهو فى طريقه إلى مكتب اللواء حسين بركة .
9/3/2006
عندي من الرواية نسخة ورقية يا باشمهندس واشتريتها من معرض الكتاب!
ردحذفبالله احد يعطني رابط لتحميلها ياخي مالقيت
ردحذف