ينبغي أن يتذكر العرب أن هذه الموجة من الثورات ليست الأولى في تاريخهم، ونقصد من هذا التذكير إلى هدفين:
أولهما: التذكير بأن العرب ليسوا قوما من الخانعين الجبناء، وهي الدعوى التي راجت في كتابات "النخبة" قبل الثورة، حتى أُلِّفت فيها كتب!! وهي ذات "النخب" التي ركبت موجة الثورة وتغنت بأغنيات "الشعب العظيم"، لكنها ما لبثت أن عادت سيرتها الأولى في هجاء الشعب الذي كان "جبانا" ثم صار "جاهلا مغفلا"!!
وثانيهما، وهو الأهم والأولى بالحديث: التذكير بأن الموجة السابقة من الثورات العربية قد سُرقت من أصحابها الأصليين من المجاهدين والمعذبين ووُضِعت في أيدي صنائع الاستعمار الذين أدخلوا البلاد في حقبة هي الأسوأ حتى من حقبة الاستعمار نفسه!
إن القوى العالمية لا يهمها الأسماء والأشخاص، وهم على استعداد دائما لاستبدال حمار جديد بالحمار الكبير الذي كسرت ساقه، ولذا فليس في ذهاب بن علي ومبارك وصالح وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ما يثير قلق هذه القوى بقدر ما يثيرها أمر القادمين.
ما زالت الثورات العربية مهددة بالخطر، ذلك أنها –فيما عدا ثورة ليبيا- فشلت في الاتفاق على قيادة موحدة تعبر عنها وتنتظم خلفها، وذلك ما يجعل الأوضاع يُعاد تشكيلها في واقع الحال بعيدا عن الشعب، فلا يدري التونسيون ماذا يدبر لهم في الدهاليز، كما لا يدري المصريون كيف تدار الأمور في المجلس العسكري، وهاهم اليمنيون برغم اختفاء صالح لا يستطيعون الإمساك بزمام الأحداث، فيما لا يحتاج الليبيون إلا إلى التخلص من القذافي ليكون مسار تشكيل الدولة الجديدة سالكا!
لقد حرصت الأنظمة العربية على سحق الرموز لصالح الزعيم الأوحد، وهو ما ضَيَّق كثيرا على حركات الإصلاح التي لا يمكن أيضا تبرئتها من المسؤولية عن فقرها في الرموز الشعبية، على أننا لن نقضي الوقت في تحديد المسؤول بقدر ما يجب أن نعمل على تكوين زعامات شعبية بأسرع وأقوى ما يمكن، ففي تونس كما في مصر يتم تصنيع أسماء بعينها برغم فقر تاريخها النضالي بل رغم بقائها بعيدا عن الوطن طول الزمن!!
يجب ألا تسمح القوى الحية الأصيلة أن تكون الموجة الثورية الثانية كسابقتها الأولى، وأن تستثمر الأجواء الحالية في تقديم رموزها ودعمهم، وإلا كان علينا أن ننتظر نصف قرن آخر في استبداد آخر تحت زعيم أوحد آخر، وما كسبنا –بعد تاريخ الدماء والسجون والتعذيب- إلا تغيير اسم الديكتاتور!!
روى ابن الجوزي في أخبار الحمقى والمغفلين أن هبنقة، وهو ممن ضرب به المثل في الحمق، أضَلَّ بعيره، فصار ينادي ويقول: من وجد البعير فهو له، فقيل له: فلم تنشده؟ فقال: وأين حلاوة الوجدان!!
فهل سيكرر الإصلاحيون مع الثورات سيرة هبنقة مع البعير؟!
نشر في قصة الإسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق