نعم هي أمي، والحمد لله أني من أبنائها، امرأة متعددة المواهب، ذكية حاضرة الذهن قوية الذاكرة، لها علم بالفقه والأدب والشعر والطب، ولها رأي في السياسة والشأن العام، بل لقد كانت على رأس جيش مقاتل ذات يوم.. إنها أمي، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
حبيبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الطاهرة المطهرة، التي دافع عنها ربها بكلامه الخالد ورسالته للعالمين فكان المشكك فيها كافراً لأنه كذب بآيات الله تعالى، أي منزلة بلغتها امرأة كتلك التي بلغتها أمي عائشة؟؟
كانت – رضي الله عنها- مصدراً لسنة النبي داخل بيته وفي أموره الخاصة، كما كانت مصدراً لما سوى ذلك، ربما يصح أن نلقبها بـ “الصحافية الأولى في الإسلام”، حيث العين اللماحة والذاكرة الحاضرة. لقد كانت أكثر نساء النبي روايةً عنه، كانت عالمة وتفتي ويسألها كبار الصحابة؛ روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال: ” ما أشكل علينا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً “[2].
ويشهد واحد من كبار التابعين وهو محمد بن شهاب الزهري فيقول “لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم- وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل”[3] وكان عروة بن الزبير يقول: “ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة”[4].
وكانت -رضي الله عنها- ذات أدب غزير، وذات قدرة ملحوظة على استحضار الشعر والاستشهاد به، يشهد لها ابن أختها عروة بن الزبير حين سُئل عن غزارة معرفته بالشعر، قيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله! فقال: ما روايتي في رواية عائشة، ما كان ينزل بها شئ إلا أنشدت فيه شعراً[5].
والمطالع للتاريخ الإسلامي يجد هذا بارزاً عندها، فعندما كان أبوها أبو بكر الصديق يحتضر استحضرت قول الشاعر:
لَعَمْرُك ما يغني الثراء عن الفتى *** إذا احشرجت يوماً وضاق بها الصدر[6]
وقالت حين بلغها مقتل أخيها محمد بن أبي بكر:
وكنا كنَدماني جزيمة حقبة *** من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا *** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وحين بلغها استشهاد علي بن أبي طالب قالت:
فألقت عصاها واستقر بها النوى *** كما قرَّ عينًا بالإياب المسافر
وكانت بليغة إلى الحد الذي قال في شأنها معاوية بن أبي سفيان: “والله ما سمعت خطيبا -ليس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبلغ من عائشة”[7].
ثم إنها بعد الحديث والفقه والشعر كانت كذلك عالمة بالطب، حتى إن ابن أختها عروة بن الزبير قال لها يا أمتاه، لا أعجب من فقهك؛ أقول: زوجة نبي الله وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس؛ أقول: ابنة أبي بكر وكان أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو ومن أين هو، أو ما هو؟! قال: فضربت على منكبه، وقالت: أي عرية، إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يسقم في آخر عمره وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الانعات، وكنت أعالجها له، فمن ثم[8].
وهي –بعد كل هذا- ذات شخصية قيادية مؤثرة، وذات رأي في السياسة والشأن العام، ومشاركتها معروفة ومشهورة، في اجتهادها بالخروج على رأس جيش لمحاربة قاتلي عثمان رضي الله عنه، الأمر الذي استطاع أهل أصحاب الفتنة أن يحولوه إلى حرب داخلية في موقعة الجمل.
بهذه المواهب المتعددة قال فيها صلى الله عليه وسلم ” فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ”[9].
———————-
[2] رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه الالباني في مشكاة المصابيح برقم 6185
[3] ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب ص920
[4] السابق ص920
[5]السابق ص920
[6] ابن سعد: الطبقات الكبرى 3/196
[7] ابن عساكر: تاريخ دمشق 59/153
[8] الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/ 182
[9] متفق عليه
نشر في: قصة الإسلام ومنارات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق