منذ أن عرفت قرب نية الحكومة المباركة بشأن تمديد قانون الطوارئ ، عاهدت نفسى ألا اقرأ الصحف الحكومية ، ولا أستمع إلى أى برامج حوارية حول هذا الشأن .. فحالتى النفسية التى توشك أن تزداد سوءا باقتراب الامتحانات لا تسمح باحتراق الدم ولا بارتفاع الضغط حين أرى حشرات الإعلام الحكومية تدافع عن قانون الطوارئ .. ليس ما يحرق الدم هو أنهم يدافعون ، إن الذى يحرق الدم هو ممارستهم الكذب الفاحش وهم يعرفون أنهم كاذبون ، كما يعرفون أن كل المشاهدين أو القرئين يعرفون كذلك أنهم كاذبون .. هل حمل التاريخ أمثلة لمثل هذه الطبيعة اللا منطقية بل حتى اللا طبيعية .. هل رأى أحدنا قبلا رجلا يبيع شرفه وسمعته أمام الناس ؟ .. يقول لهم : انظروا أنا أكذب وأعرف أنكم موقنون من كذبى .
وسبحان الله ، فكل يوم نرى عجائب ما كانت على البال .
أعترف أنى كنت غبيا حين تصورت أن ابتعادى عن حشرات الحكومة الإعلاميين فى الصحف أو القنوات أو الإذاعات .. سيهدئ من روعى أو سيقصينى عن مواطن حرق الدم ، لكن ..
كان مساء هذا الوعد ،الذى قطعته على نفسى بتاريخ الأربعاء 26/4/2006 .. هو ذات المساء الذى أذاعت فيه قناة الجزيرة خبر اعتقال الشاعر المصرى أمين الديب ، وناقش برنامج ماوراء الخبر هذه القضية فى ذات التاريخ .
أمين الديب هو الشاعر الذى انطلق فجأة لعموم الشعب المصرى عبر الجريدة الإخوانية المعتقلة هى الأخرى ( آفاق عربية ) حين نشرت له لأول مرة مقطوعة شعرية كبيرة أثارت إعجابا هائلا لدى القراء .. حتى إن الإعلامى المتمكن واللامع حمدى قنديل حين كان يقدم فى هذا الوقت برنامج رئيس التحرير قرأ القصيدة بعد أن قال : وآسف أنى لا أعرف هذا الشاعر من قبل .
وظل أمين الديب يتواصل مع الناس عبر الجريدة الإخوانية آفاق عربية ، وأختها جريدة الأسرة العربية ، وهى إخوانية أيضا لكنها أقرب للجانب الاجتماعى والأسرى منها للجانب السياسى .. واشتهر الديب باقترابه للإخوان وإن لم يكن عضوا بالجماعة كما يصرح موقع الجماعة .
هذا فيما عدا الندوات التى كانت تعقد بمعرض الكتاب ، وكان يلقى فيها الديب أشعاره ، وكانت تحظى بحضور كبير .. ثم أصدر ديوانه الأول ، ثم كان انفجاره الكبير مع الانتخابات البرلمانية الأخيرة حين ألف قصيدة ( فكر وشوف ).. يدعو فيها الناخب عبر شعره الخفيف والعميق والبسيط إلى انتخاب الأصلح .
ثم تم اعتقاله بعد تأليفه قصيدة لا للطوارئ ، والتى - كما جاء فى الأخبار وتغطيات المواقع المختلفة - حاولت شركة صوتيات إخوانية بالمنوفية تسجيلها على شريط فتم اعتقال صاحب الشركة ، وهو المهندس فتحى شهاب الدين كما ورد بموقع الإخوان المسلمين .
أصابنى الاختناق فى هذه اللحظة ، حتى حق التنفس والحصول على الهواء يبدو بعيد المنال فى مصر .. حتى الشكوى والصراخ وإخراج تلك الآه لإسكان هذا الصدر لا يجوز .. يجب أن تتألم فى صمت .. فى صمت .. يجب أن تحبس كل اختناقاتك ومشاعرك وقفزات خلاياك ونبضات قلبك واحتراق دمك .. كل هذا يجب أن يظل مكتوما ..
تماما كالبخار الذى لايعرف كيف يخرج حتى يدمر الإناء .. يجوز لك فى مصر أن تنفجر شرايينك من الداخل .. يمكنك أن تصاب بالجنون .. لكن بشرط ألا تتناثر أشلاء انفجارك خارج الجسد .. احذر حتى أن يخرج شلوا صوتيا على هيئة صرخة .
فى العاشرة من تلك الليلة كان الموعد مع برنامج العاشرة مساءا على قناة دريم2 والتى ناقش تفجيرات العريش فاستضاف الباحث الإسلامى د. كمال حبيب والباحث د. المعتز بالله الخطيب و اللواء محمد عبد الفتاح عمر مساعد الوزير سابقا وعضو مجلس الشعب الحالى ..
وكانت إحدى الحلقات الكاشفة عن مستوى التفكير الأمنى ، والعقليات الأمنية الصماء .. وبين العقليات العلمية التحليلة .. حيث كان سيادة اللواء شيئا مثيرا للشفقة ، ثقافة ضحلة وتحليل أعمى ، ومحاولات إسكات الآخر .. حتى إن الأطراف الثلاثة الأخرى - وأظن عامة المشاهدين - كانوا يضحكون من أعماقهم .. لكنه ضحك المهموم الذى يرى بعينيه كيف تتحكم مثل هذه العقليات البليدة فى حياتنا .
ثم كان صباح اليوم التالى الذى عرفت فيه اعتقال 15 ناشطا من المعتصمين عند نادى القضاة ، ومنهم الصديق الحبيب مالك مصطفى .
ليس ثمة كثير يمكن أن اقوله عن مالك ، فقد حظى بتغطية واسعة من المدونين ونشطاء الانترنت بما كان يمكن أن يُستغنى به عن إضافاتى .. غير أن مالك وعلى رغم ما بيننا من خلافات فكرية أحسبها قوية .. يعد نموذجا للباحث عن الحقيقة .. ونموذجا للصارخ الذى أخرج صرخته خارج جسده فاخترق بهذا قانون الحياة فى مصر فوجب اعتقاله مع الصارخين معه عند نادى القضاة .
مالك كسائر من يستخدم عقله فى هذه الحياة كثير الأسئلة كثير الاستفسار ، وقد شرح بنفسه فى حوار على حارة زعتر كيف انتقل من الشيوعية بمعنى الإلحاد إلى الإيمان بالله ثم الإيمان برسوله ثم الاستقرار على الإسلام اليسارى كما يقول - وأختلف معه أيضا - ثم تحويل نشاطه من المنتديات الحوارية إلى التدوين .
ومالك شخصية حرة .. ومثقفة ، بل شديدة الثقافة ، ومحاور يتسلح بالفسلفة التى يدرسها .. محاور قوى ، تستمتع بالحوار معه ، لأنه لا يمكنك أن تتطور إلا إذا واجهت وتفاعلت مع الأقوياء لا الضعفاء .
لم أره إلا مرة واحدة فقط كان فى اجتماع لنشطاء الانترنت فى جمعية مصر للثقافة والحوار ، وكان هذا الاجتماع هو بداية معرفتى بعالم التدوين على نحو ماذكرته سابقا.
يشارك مالك فى محبسه نشطاء غيره .. كما يشاركه الاعتقال آلاف غيره من قبله ومن بعده ، ولعله من حسن حظ مالك أنه ارتبط بمجموعات لها صوت إعلامى يستطيع توصيل أخباره ، ويمكنهم مساندته .. فمن لغيره من المحبوسين .
ومن لمن خلفهم من معتلقى الجماعات الإسلامية ممن أمضوا سنوات وسنوات خلف أسوار الظلم المظلم ؟؟
ومن ذا الذى يستطيع أن يتحكم فى صرخاته فلا يخرجها كي لا يخالف قانون الأسياد ؟؟
ثم من ذا الغبى الذى سيقرر أن يريح نفسه بمقاطعة الصحف والقنوات الحكومية ؟؟
29/4/2006
وسبحان الله ، فكل يوم نرى عجائب ما كانت على البال .
أعترف أنى كنت غبيا حين تصورت أن ابتعادى عن حشرات الحكومة الإعلاميين فى الصحف أو القنوات أو الإذاعات .. سيهدئ من روعى أو سيقصينى عن مواطن حرق الدم ، لكن ..
كان مساء هذا الوعد ،الذى قطعته على نفسى بتاريخ الأربعاء 26/4/2006 .. هو ذات المساء الذى أذاعت فيه قناة الجزيرة خبر اعتقال الشاعر المصرى أمين الديب ، وناقش برنامج ماوراء الخبر هذه القضية فى ذات التاريخ .
أمين الديب هو الشاعر الذى انطلق فجأة لعموم الشعب المصرى عبر الجريدة الإخوانية المعتقلة هى الأخرى ( آفاق عربية ) حين نشرت له لأول مرة مقطوعة شعرية كبيرة أثارت إعجابا هائلا لدى القراء .. حتى إن الإعلامى المتمكن واللامع حمدى قنديل حين كان يقدم فى هذا الوقت برنامج رئيس التحرير قرأ القصيدة بعد أن قال : وآسف أنى لا أعرف هذا الشاعر من قبل .
وظل أمين الديب يتواصل مع الناس عبر الجريدة الإخوانية آفاق عربية ، وأختها جريدة الأسرة العربية ، وهى إخوانية أيضا لكنها أقرب للجانب الاجتماعى والأسرى منها للجانب السياسى .. واشتهر الديب باقترابه للإخوان وإن لم يكن عضوا بالجماعة كما يصرح موقع الجماعة .
هذا فيما عدا الندوات التى كانت تعقد بمعرض الكتاب ، وكان يلقى فيها الديب أشعاره ، وكانت تحظى بحضور كبير .. ثم أصدر ديوانه الأول ، ثم كان انفجاره الكبير مع الانتخابات البرلمانية الأخيرة حين ألف قصيدة ( فكر وشوف ).. يدعو فيها الناخب عبر شعره الخفيف والعميق والبسيط إلى انتخاب الأصلح .
ثم تم اعتقاله بعد تأليفه قصيدة لا للطوارئ ، والتى - كما جاء فى الأخبار وتغطيات المواقع المختلفة - حاولت شركة صوتيات إخوانية بالمنوفية تسجيلها على شريط فتم اعتقال صاحب الشركة ، وهو المهندس فتحى شهاب الدين كما ورد بموقع الإخوان المسلمين .
أصابنى الاختناق فى هذه اللحظة ، حتى حق التنفس والحصول على الهواء يبدو بعيد المنال فى مصر .. حتى الشكوى والصراخ وإخراج تلك الآه لإسكان هذا الصدر لا يجوز .. يجب أن تتألم فى صمت .. فى صمت .. يجب أن تحبس كل اختناقاتك ومشاعرك وقفزات خلاياك ونبضات قلبك واحتراق دمك .. كل هذا يجب أن يظل مكتوما ..
تماما كالبخار الذى لايعرف كيف يخرج حتى يدمر الإناء .. يجوز لك فى مصر أن تنفجر شرايينك من الداخل .. يمكنك أن تصاب بالجنون .. لكن بشرط ألا تتناثر أشلاء انفجارك خارج الجسد .. احذر حتى أن يخرج شلوا صوتيا على هيئة صرخة .
فى العاشرة من تلك الليلة كان الموعد مع برنامج العاشرة مساءا على قناة دريم2 والتى ناقش تفجيرات العريش فاستضاف الباحث الإسلامى د. كمال حبيب والباحث د. المعتز بالله الخطيب و اللواء محمد عبد الفتاح عمر مساعد الوزير سابقا وعضو مجلس الشعب الحالى ..
وكانت إحدى الحلقات الكاشفة عن مستوى التفكير الأمنى ، والعقليات الأمنية الصماء .. وبين العقليات العلمية التحليلة .. حيث كان سيادة اللواء شيئا مثيرا للشفقة ، ثقافة ضحلة وتحليل أعمى ، ومحاولات إسكات الآخر .. حتى إن الأطراف الثلاثة الأخرى - وأظن عامة المشاهدين - كانوا يضحكون من أعماقهم .. لكنه ضحك المهموم الذى يرى بعينيه كيف تتحكم مثل هذه العقليات البليدة فى حياتنا .
ثم كان صباح اليوم التالى الذى عرفت فيه اعتقال 15 ناشطا من المعتصمين عند نادى القضاة ، ومنهم الصديق الحبيب مالك مصطفى .
ليس ثمة كثير يمكن أن اقوله عن مالك ، فقد حظى بتغطية واسعة من المدونين ونشطاء الانترنت بما كان يمكن أن يُستغنى به عن إضافاتى .. غير أن مالك وعلى رغم ما بيننا من خلافات فكرية أحسبها قوية .. يعد نموذجا للباحث عن الحقيقة .. ونموذجا للصارخ الذى أخرج صرخته خارج جسده فاخترق بهذا قانون الحياة فى مصر فوجب اعتقاله مع الصارخين معه عند نادى القضاة .
مالك كسائر من يستخدم عقله فى هذه الحياة كثير الأسئلة كثير الاستفسار ، وقد شرح بنفسه فى حوار على حارة زعتر كيف انتقل من الشيوعية بمعنى الإلحاد إلى الإيمان بالله ثم الإيمان برسوله ثم الاستقرار على الإسلام اليسارى كما يقول - وأختلف معه أيضا - ثم تحويل نشاطه من المنتديات الحوارية إلى التدوين .
ومالك شخصية حرة .. ومثقفة ، بل شديدة الثقافة ، ومحاور يتسلح بالفسلفة التى يدرسها .. محاور قوى ، تستمتع بالحوار معه ، لأنه لا يمكنك أن تتطور إلا إذا واجهت وتفاعلت مع الأقوياء لا الضعفاء .
لم أره إلا مرة واحدة فقط كان فى اجتماع لنشطاء الانترنت فى جمعية مصر للثقافة والحوار ، وكان هذا الاجتماع هو بداية معرفتى بعالم التدوين على نحو ماذكرته سابقا.
يشارك مالك فى محبسه نشطاء غيره .. كما يشاركه الاعتقال آلاف غيره من قبله ومن بعده ، ولعله من حسن حظ مالك أنه ارتبط بمجموعات لها صوت إعلامى يستطيع توصيل أخباره ، ويمكنهم مساندته .. فمن لغيره من المحبوسين .
ومن لمن خلفهم من معتلقى الجماعات الإسلامية ممن أمضوا سنوات وسنوات خلف أسوار الظلم المظلم ؟؟
ومن ذا الذى يستطيع أن يتحكم فى صرخاته فلا يخرجها كي لا يخالف قانون الأسياد ؟؟
ثم من ذا الغبى الذى سيقرر أن يريح نفسه بمقاطعة الصحف والقنوات الحكومية ؟؟
29/4/2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق