كان الأقدمون فيما مضى يعانون من قلة المصادر ، التى تؤدى بدورها إلى قلة المعلومات ، تؤدى إلى تكوين صورة ناقصة لأى وضع ، فيعتمدون على الخبرة التاريخية فى استشراف المستقبل ، أو على خلفياتهم الثقافية ، أو ماشابه من عوامل تمثل الحدث الذاتى ، والرأى الشخصى ، والموقف النابع من تصور ، ولا يستند على حقيقة .
استمر هذا الوصع حتى وقت قريب ، لن يتعدى العشر سنين أو العشرين سنة ، بحد اقصى ، فقبل هذا التاريخ كان الحصول حتى على الصحف الأجنبية ، شيئا من ضروب العسير .
مع الانفجار فى المصادر التى تمثلها الآن الفضائيات ، والصحف ، ومواقع الانترنت ، أصبحنا لانعانى من نقص المعلومات ، بل من كثافة المعلومات ، ولم تصبح الصورة ناقصة ، أو بمعنى آخر ، لم يصبح نصف أو ربع أو حتى عشر الصورة صادقا والباقى مظلم تماما ، بل صارت كل الصورة مشوشة ، غائمة .
قدر ضخم من المعلومات يغذى كل احتمالات المستقبل ، بل غالبا يؤدى الإعلام الموجه إلى الدفع فى اتجاه احتمال معين ، بزرع حقائق معينة ، ونكون قد بدأنا فى مرحلة تزييف الصورة لاتشويشها .
فى طوفان المعلومات ، والتى غالبا ما تكون موجهة، تتوه حقائق كثيرة لحساب حقائق أخرى بالتأكيد .
****
أقول هذا بمناسبة حقيقتين تاهتا عنى فى الفتررة الأخيرة وسط طوفان المعلومات المنفجرة من الصحف ومواقع الانترنت ، هاتين الحقيقتين لم أكن أتصور أنه يمكن ان أنساهما فى يوم ، لشدة وضوحهما ، ولشدة وجودهما دائما فى قلب الضوء ، وفى قلب المعارك الفكرية .
1) الحقيقة الأولى : أن فوز الإخوان المسلمين فى الانتخابات ، ليس مفاجأة ، بل هى حسابات دقيقة ، يعرفها أهل الحكم تماما ، وخفيت عن المتابعين الذين لايملكون من المعلومات والإمكانيات ما يبصرهم بهذه الحقيقة .
حتى أنا نفسى لما تفاجأت بهذا الصعود المفاجئ للإخوان ، وكتبت ( لماذا ينحاز الشعب إلى الإخوان المسلمين ؟ ... رؤية أخرى ) ، لم يخطر ببالى أنه قد تاهت عنى حقيقة هى من أرسخ الحقائق عندى ، ألا وهى : تصريح الرئيس مبارك لكثير من وسائل الإعلام الأجنبية بأن الديمقراطية تعنى وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم .
وهذا التصريح الذى قيل أكثر من مرة ، لصحف أمريكية ( نيويورك تايمز ) وألمانية ( دير شبيجل ) وربما فرنسية ( لوموند ) لو لم تخنى الذاكرة . هذا التصريح كان يثبت بما لايدع مجالا للشك أن الإخوان - طبقا لمعلومات الدولة - يستطيعون تحقيق الأغلبية المريحة التى تتيح لهم الوصول إلى السلطة وتشكيل حكومة أغلبية ، أو بحد أدنى تشكيل حكومة ائتلافية يكوّنون هم جسمها الأصيل والفاعل .
ولذلك فالنية مبيتة من قبل الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية حتى ، على عدم إجراء انتخابات برلمانية نزيهة ، ولربما كان الخلاف - كما اتضح من أحداث الانتخابات - حول الأساليب والوسائل لممارسة التزوير .
شارك فى خفوت هذه الحقيقة عنى فى الأيام الأخيرة ، التصريحات المتتالية لقادة الإخوان المسلمين القائلة بأنه لو تمت انتخابات نزيهة فلن نحصل على أكثر من ( 20- 30 % باختلاف الأرقام بين المتحدثين ) من مقاعد مجلس الشعب .
وحرص الإخوان على تطمين الحكومة ( وربما من خلفها الغرب المتربص ) أنهم لايمثلون خطرا - فى المرحلة الحالية على الأقل - .
واثبتوا هذا حين تقدموا بعدد من المرشحين لايحقق ثلث البرلمان .
****
2) الحقيقة الثانية التى تاهت عنى ، هى أن الأقلام والأفواه التى تبدو مذعورة على الديمقراطية ومكتسباتها ، وعلى الدولة المدنية وإنجازاتها ، وعلى الأقباط وحقوقهم ، هم أبعد مايكونوا عن الإيمان بهذه المبادئ .
إنهم يرفضون رفضا كاملا وجود الإسلاميين فى أى مواقع سلطوية ، مهما كانت غير مؤثرة ولاتجرح الأغلبية المريحة لأسيادهم ، حتى ولو كان هذا هو اختيار الشعب من خلال عملية شبه ديمقراطية ، بل هى ديكتاتورية لها بعض ملامح وقشور الديمقراطية .
حالة الصرع التى انتابت ( الديمقراطيين !!! ) من احتمال وجود إسلاميين فى مواقع السلطة ، تخبر أن هؤلاء ليسوا إلا النسخة العصرية من فاشية النازى والشيوعى والناصرى ، أصحاب مبدأ ( الحرية للشعب ولاحرية لأعداء الشعب ) أو ( تفوق العنصر الـ ... لا إسلامى .. ) أو ( ديكتاتورية الطبقة الـ ... حاكمة ... ) .
ويستمرون فى الكلام - بدون لحظة خجل - عن الإسلاميين الذين يتخذون الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى الحكم ، وينسون أنهم يفعلون هذا بالفعل ، وصلوا إلى الحكم فضربوا الديمقراطية بالنعال .
وعن مكتسبات الدولة المدنية ، التى نراها تمتلئ بالمعتقلات وقوانين الطوارئ والتزوير والبلطجة والفساد والكذب على الشعب ، يخافون على هذه المكتسبات من الإسلاميين ، الذين يعلنون ليل نهار إيمانهم بالدولة المدنية ، واستنكارهم للفساد والطوارئ الذين دفعوا وحدهم ثمن وجودها .
بل حتى فى برامجهم لايطيقون رؤية واحد منهم بحجة أنهم " محظورون " ، مهما ثبت أنهم هم المحظورون وأن الشارع منحاز إلى الإسلاميين ضدهم .
هؤلاء هم الديمقراطيون ، الخائفون على ديمقراطيتهم من الإسلاميين .
نبت فاسد تربى فى بيئة فاسدة ، يعشق الظلام والفساد ، ولايطيق رؤية النور ، ولا الحق ، بل ولاحتى الديمقراطية التى صدعونا بها .
****
كيف غابت عنى هذه الحقائق ؟؟؟ ... لا ادرى .
حقا لا أدرى ...
حقا لا أدرى ...
وكان الله فى عون هذا الشعب الصابر .
4/12/2005
استمر هذا الوصع حتى وقت قريب ، لن يتعدى العشر سنين أو العشرين سنة ، بحد اقصى ، فقبل هذا التاريخ كان الحصول حتى على الصحف الأجنبية ، شيئا من ضروب العسير .
مع الانفجار فى المصادر التى تمثلها الآن الفضائيات ، والصحف ، ومواقع الانترنت ، أصبحنا لانعانى من نقص المعلومات ، بل من كثافة المعلومات ، ولم تصبح الصورة ناقصة ، أو بمعنى آخر ، لم يصبح نصف أو ربع أو حتى عشر الصورة صادقا والباقى مظلم تماما ، بل صارت كل الصورة مشوشة ، غائمة .
قدر ضخم من المعلومات يغذى كل احتمالات المستقبل ، بل غالبا يؤدى الإعلام الموجه إلى الدفع فى اتجاه احتمال معين ، بزرع حقائق معينة ، ونكون قد بدأنا فى مرحلة تزييف الصورة لاتشويشها .
فى طوفان المعلومات ، والتى غالبا ما تكون موجهة، تتوه حقائق كثيرة لحساب حقائق أخرى بالتأكيد .
****
أقول هذا بمناسبة حقيقتين تاهتا عنى فى الفتررة الأخيرة وسط طوفان المعلومات المنفجرة من الصحف ومواقع الانترنت ، هاتين الحقيقتين لم أكن أتصور أنه يمكن ان أنساهما فى يوم ، لشدة وضوحهما ، ولشدة وجودهما دائما فى قلب الضوء ، وفى قلب المعارك الفكرية .
1) الحقيقة الأولى : أن فوز الإخوان المسلمين فى الانتخابات ، ليس مفاجأة ، بل هى حسابات دقيقة ، يعرفها أهل الحكم تماما ، وخفيت عن المتابعين الذين لايملكون من المعلومات والإمكانيات ما يبصرهم بهذه الحقيقة .
حتى أنا نفسى لما تفاجأت بهذا الصعود المفاجئ للإخوان ، وكتبت ( لماذا ينحاز الشعب إلى الإخوان المسلمين ؟ ... رؤية أخرى ) ، لم يخطر ببالى أنه قد تاهت عنى حقيقة هى من أرسخ الحقائق عندى ، ألا وهى : تصريح الرئيس مبارك لكثير من وسائل الإعلام الأجنبية بأن الديمقراطية تعنى وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم .
وهذا التصريح الذى قيل أكثر من مرة ، لصحف أمريكية ( نيويورك تايمز ) وألمانية ( دير شبيجل ) وربما فرنسية ( لوموند ) لو لم تخنى الذاكرة . هذا التصريح كان يثبت بما لايدع مجالا للشك أن الإخوان - طبقا لمعلومات الدولة - يستطيعون تحقيق الأغلبية المريحة التى تتيح لهم الوصول إلى السلطة وتشكيل حكومة أغلبية ، أو بحد أدنى تشكيل حكومة ائتلافية يكوّنون هم جسمها الأصيل والفاعل .
ولذلك فالنية مبيتة من قبل الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية حتى ، على عدم إجراء انتخابات برلمانية نزيهة ، ولربما كان الخلاف - كما اتضح من أحداث الانتخابات - حول الأساليب والوسائل لممارسة التزوير .
شارك فى خفوت هذه الحقيقة عنى فى الأيام الأخيرة ، التصريحات المتتالية لقادة الإخوان المسلمين القائلة بأنه لو تمت انتخابات نزيهة فلن نحصل على أكثر من ( 20- 30 % باختلاف الأرقام بين المتحدثين ) من مقاعد مجلس الشعب .
وحرص الإخوان على تطمين الحكومة ( وربما من خلفها الغرب المتربص ) أنهم لايمثلون خطرا - فى المرحلة الحالية على الأقل - .
واثبتوا هذا حين تقدموا بعدد من المرشحين لايحقق ثلث البرلمان .
****
2) الحقيقة الثانية التى تاهت عنى ، هى أن الأقلام والأفواه التى تبدو مذعورة على الديمقراطية ومكتسباتها ، وعلى الدولة المدنية وإنجازاتها ، وعلى الأقباط وحقوقهم ، هم أبعد مايكونوا عن الإيمان بهذه المبادئ .
إنهم يرفضون رفضا كاملا وجود الإسلاميين فى أى مواقع سلطوية ، مهما كانت غير مؤثرة ولاتجرح الأغلبية المريحة لأسيادهم ، حتى ولو كان هذا هو اختيار الشعب من خلال عملية شبه ديمقراطية ، بل هى ديكتاتورية لها بعض ملامح وقشور الديمقراطية .
حالة الصرع التى انتابت ( الديمقراطيين !!! ) من احتمال وجود إسلاميين فى مواقع السلطة ، تخبر أن هؤلاء ليسوا إلا النسخة العصرية من فاشية النازى والشيوعى والناصرى ، أصحاب مبدأ ( الحرية للشعب ولاحرية لأعداء الشعب ) أو ( تفوق العنصر الـ ... لا إسلامى .. ) أو ( ديكتاتورية الطبقة الـ ... حاكمة ... ) .
ويستمرون فى الكلام - بدون لحظة خجل - عن الإسلاميين الذين يتخذون الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى الحكم ، وينسون أنهم يفعلون هذا بالفعل ، وصلوا إلى الحكم فضربوا الديمقراطية بالنعال .
وعن مكتسبات الدولة المدنية ، التى نراها تمتلئ بالمعتقلات وقوانين الطوارئ والتزوير والبلطجة والفساد والكذب على الشعب ، يخافون على هذه المكتسبات من الإسلاميين ، الذين يعلنون ليل نهار إيمانهم بالدولة المدنية ، واستنكارهم للفساد والطوارئ الذين دفعوا وحدهم ثمن وجودها .
بل حتى فى برامجهم لايطيقون رؤية واحد منهم بحجة أنهم " محظورون " ، مهما ثبت أنهم هم المحظورون وأن الشارع منحاز إلى الإسلاميين ضدهم .
هؤلاء هم الديمقراطيون ، الخائفون على ديمقراطيتهم من الإسلاميين .
نبت فاسد تربى فى بيئة فاسدة ، يعشق الظلام والفساد ، ولايطيق رؤية النور ، ولا الحق ، بل ولاحتى الديمقراطية التى صدعونا بها .
****
كيف غابت عنى هذه الحقائق ؟؟؟ ... لا ادرى .
حقا لا أدرى ...
حقا لا أدرى ...
وكان الله فى عون هذا الشعب الصابر .
4/12/2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق