الاثنين، يوليو 27، 2020

أخصر المختصر في ملامح النظام السياسي الإسلامي


أخصر المختصر في ملامح النظام السياسي الإسلامي

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

ما زالت تزداد قناعتي كل يوم بأن المعضلة المعاصرة التي تواجه المسلمين ليست معضلة شبهات تحتاج إلى ردود وتوضيح وبراعة في البيان والتفسير والتفصيل، بل هي معضلة عجز وإخفاق تحتاج إلى كفاءة في العمل والإنجاز والبناء والتكوين.

فالشبهة مهما كانت متهافتة فإنها تستمد قوتها إذا نطق بها القوي الغالب المتمكن، والحق مهما كان سديدا فهو مخدوش مُزْدَرى إذا نطق به الضعيف المهضوم، تلك طبيعة النفس البشرية، فإذا انقلبت موازين القوى فإذا بالشبهة المتمكنة التي كانت تهيمن في زمن القوة تزول كأنها غمامة صيف تنقشع، وإذا المهضوم المزدرى إذا غَلَبَ انتصرت أفكاره وأقبل عليها الناس بلا عسر.

ومع هذا كله، فلا بد من البيان فإنه أول العمل، وقد جعل البخاري بابا في صحيحه بعنوان "باب العلم قبل القول والعمل"..

ثم أقول: وما زالت تزداد قناعتي كل يوم بأن الإنتاج المعاصر في باب السياسة الشرعية ليس قليلا ولا هو ضعيف أو ضحل، وإنما هذا كلام من لم يكن لهم حظٌّ من الاطلاع على ما أنتجه المعاصرون في باب السياسة الشرعية أو ما صار يسمى "الفقه السياسي الإسلامي"، والواقع عكس ذلك، فإن قضية الدولة الإسلامية كانت هي القضية الأكثر حرجا لدى المهمومين بقضايا الإسلام، طوال قرنٍ أو قرنين على الأقل، وأنتجوا فيها كثيرا جدا. إلا أن أكثر هذا الإنتاج غير معروف ولا مشتهر، وما ذلك إلا لأن موازين القوى –والتي من بينها منافذ الإعلام والثقافة- تسهم في طمر هذا الإنتاج وغمره. وإنما المنشور كثير جدا، وأكثر منه غير المنشور الذي لا يزال رابضا على رفوف المكتبات في الرسائل العلمية بكليات الشريعة والقانون والحقوق والاقتصاد والسياسة، فكثير من طلاب هذه الكليات عبر هذه العقود بحثوا الموضوعات المعاصرة والقضايا الملحة في الإسلام أو مقارنا بغيره من النظم الوضعية. وهذا فضلا عن إنتاج المجامع الفقهية ومراكز البحوث الإسلامية المتعددة التي حاولت سد هذه الثغرات وتقديم مشروع إسلامي.

ولكن، وبسبب ما ذكرناه من هيمنة العلمانية على المجال العام ومنافذ التعليم والثقافة، فلا تزال الحاجة ماسة لتعريف المسلمين بملامح النظام السياسي الإسلامي، وكيف أنه متفرد متميز عن غيره. كما لا تزال الحاجة ماسة إلى تبسيط هذه المادة العلمية وتقديمها بمختلف الصور ووسائل الشرح لتحقق أكبر انتشار بين عموم المسلمين، وعموم غير المسلمين أيضا.

وفي النهاية، فمهما كان ثمة نظرية عظيمة متقنة محكمة، فلا مجال لرؤية عظمتها إذا لم تكن ثمة فرصة للتطبيق والتنزيل، وهنا تظهر بشكل أقوى موازين القوى التي لا تسمح بأدنى قدر من تحقق الفكرة في واقع الحياة. فمهما امتلكنا من البلاغة والفصاحة وأحسنَّا الشرح والبيان والتفصيل، فلن يتغير شيء في الواقع.

لهذا الذي سبق كله، حاولت في هذه السطور القادمة اختصار أهم الأفكار التي أرى أن عموم المسلمين في حاجة لاستيعابها جيدا في ملامح النظام السياسي الإسلامي، وليس لي إلا غرض واحد فيها لو أنه تحقق فقد تمَّت النعمة، وهو: تجميع هذه الأفكار المتناثرة في خيط واحد لدى العقل المسلم، خيط يتصل فيه ما هو ديني بحت بما هو دنيوي بحت، يتصل فيه معنى التوحيد العقدي بشكل النظام السياسي، وهذا الاتصال هو الذي أستشعر كثيرا في نقاشاتي مع الشباب أنه مفقود أو غير واضح.

ووضعت هذه الأفكار في نقاط، حاولت أن تسلم كلُّ واحدة منها للتي بعدها، فأسأل الله أن أكون قد وفقت في هذا:

1.    اختلف معنى كلمة "السياسة" عبر الزمن، وفي زماننا هذا يُقسم المعاصرون "السياسة" إلى ثلاثة فروع كبرى هي: النظرية السياسية، النظم السياسية، العلاقات الدولية.

2.    مهما جاء أحدٌ بمشروع تغيير وإصلاح، فإنه لا يستطيع أن ينفكَّ عن واقعه ولا أن يبدأ من الفراغ، وإنما يأخذ من واقعه لمشروعه، ويعاني مضايقاته، ويتصرف في اضطراراته، ويوازن بين المصالح والمفاسد حتى يبلغ ما يريد. ولم يستطع المثاليون المتعلقون بالأحلام المستعلنون برفض الواقع المتعالون على السنن، أن ينجزوا التغيير في واقع الحياة.

3.    الموازنة بين المصالح والمفاسد، مهما كُتِب فيها نظريا، فإنها متعلقة بحكمة العاملين وقوة فهمهم للسنن وحسن بصيرتهم في تقدير المآلات، ومن ثمَّ فالحديث النظري إنما هو رسم للخطوط العامة والقواعد العريضة وتوضيح للأهداف والغايات، فهو كالهداية والإرشاد وليس قيدا لتعطيل العمل أو القعود بالعاملين. وهو تحديد للوجهة والطريق وليس حثًّا على المسارعة في هدم الواقع ومخالفة سنن التدرج ومراعاة الطبائع والتقيد بحكم الضرورة والاضطرار.

4.    تراجعت حركة الاجتهاد في الفقه السياسي لظروف عديدة: سياسية وعلمية، فالمجتهد في باب الفقه السياسي بحاجة إلى إدراك ثلاثة أمور: علم السياسة الشرعية، والعلم بالواقع المعاصر، وإدراك الفوارق بين النموذج الإسلامي والمعاصر على مستوى التنظير وعلى مستوى التطبيق التاريخي والواقعي. وهذه الأمور يتعذر تحصيلها في الأوطان التي يحكمها الاستبداد وينشر فيها التخلف العلمي.

5.    ومن شأن هذا أن يقع الخلاف الكثير والواسع أحيانا بين مكونات وأطياف العمل السياسي الإسلامي، فالخلاف قد يحدث في الاجتهاد نفسه، وقد يحدث في تنزيل هذا الاجتهاد على الواقع، وقد يحدث في كليهما. كما أن التطبيق العملي لهذا الاجتهاد قد يتناوله الخطأ، والعبرة بمجمل أحوال العاملين، ويجب أن تتسع الصدور لمن دلَّت مجمل أحواله على الرغبة الصادقة لخدمة الإسلام والمسلمين، مهما وقع الخلاف بيننا في التأصيل أو في التنزيل أو في التطبيق.

6.    الأصل الأول الكبير الذي قام عليه الإسلام هو التوحيد، الذي هو شهادة "لا إله إلا الله"، ومن هذا الأصل الكبير تتفرع سائر الأصول والفروع التي تمثل نظام الإسلام في واقع الحياة. ومن ثم، فإن التوحيد يمثل صلب النظرية السياسية الإسلامية.

7.    تتمثل أهم آثار "التوحيد" في "النظرية السياسية الإسلامية" في أنه يحسم الإشكاليات الكبرى المعضلة التي اختلفت فيها النظريات السياسية الوضعية، وذلك لوضوح التصور العام والقيم الأساسية والأهداف النهائية وطبيعة العلاقات السياسية والاجتماعية.

8.    إن الله تبارك وتعالى قد اختص نفسه بالخلق والأمر {ألا له الخلق والأمر}، ومن ثم فإن البشر سواء، ولا فضل للحاكم على المحكوم وإنما هو وكيل عنهم، وهم جميعا –الحاكم والمحكوم- يعملون لتنفيذ أوامر الله التي أنزلها على رسوله، ومن هنا نزع الإسلام كل الأصول والقواعد التي يقوم عليها الطغيان، فالحاكم ليس إلها ولا شبه إله ولا ينحدر من نسل الآلهة، كما أن القوانين والشرائع التي تهيمن على المجتمع ليست من إنتاج الحاكم أو النخبة الحاكمة وليست وثيقةً كتبها المنتصر في لحظة ما، بل هي شريعة الله التي يعلمها ويخضع لها الجميع.

9.    وكل محاولة للطغيان على البشر تبدأ منذ اللحظة التي يتغلب فيها أحدهم، فيكتب في لحظة نصره الوثائق والقوانين التي يحكم بها الناس، ليتحول انتصاره إلى حالة شرعية وتتحول مقاومته إلى حالة خروج عن الشرعية تستوجب العقوبة. هذا الطغيان على الناس يراه الإسلام "عبودية لغير الله"، ويعتبر المسلمون أن من مهماتهم إنقاذ الناس بإخراجهم من عبادة غير الله إلى عبادة الله، وبذلك يخرجون من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

10.          هذا التأسيس العقدي للتوحيد يتفوق على كل تأسيس آخر فكري ونظري، لأنه يستمد قوته من كونه دينا وعقيدة، وليس مجرد فكرة أو فلسفة، وبهذا يتحول المسلم –من هذه الزاوية- إلى طاقة عملية جبارة في التغيير، لا إلى مجرد عنصر يحمل فكرة ثورية فحسب!

11.          وبعد هذا التأسيس العقدي، فإن الإسلام يبني نظامه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بحيث يقلص الصلاحيات الممنوحة للحاكم ويجعلها في الحد الأدنى اللازم لإدارة وتدبير شأن الناس، وفي نفس الوقت يزيد من التكتل الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، بحيث تكون القدرة على اضطهادهم واستعبادهم أصعب ما يكون، إذ هي خروج على الشريعة وعلى النظام الاجتماعي الراسخ في نفس الوقت.

12.          بهذا صار مستقرا لدى المسلمين، حتى في عصور هيمنة الإمبراطوريات التي يزعم حكامها أنهم يحكمونها بقداسة إلهية، أن الحاكم مجرد بشر وأنه وكيل عنهم وأن مهمته تنفيذ الشريعة ورعايتها، وأنهم مكلفون برقابته والنصح له وتقويمه سرا وجهرا، وأن خروجه عن الشريعة يسقط شرعيته ويبيح الخروج عليه. وهذه الأصول والثوابت لم تصل إليها الأنظمة المعاصرة حتى الآن، ويبقى على المسلمين مهمة الاجتهاد المعاصر في التحقيق الأمثل لهذا النموذج، كتدبير شأن اختيار الحاكم وتدبير طرق رقابته وتقويمه، ومقاومته وعزله.

13.          وبملاحظة التطبيق التاريخي للنموذج الإسلامي في مقابل النظم الأخرى بما فيها الديمقراطية المعاصرة، يمكن القول بوضوح بأن أشد حكام التاريخ الإسلامي استبدادا كانت صلاحياته أقل كثيرا من أكثر حكام الديمقراطية المعاصرة، وهذا الحاكم الأشد استبدادا في الحضارة الإسلامية كان محكوما في تصرفه –رغبا أو قسرا- بقيود أخلاقية لا يلتزم بها أكثر حكام الديمقراطية المعاصرة.

14.          تتمثل المعضلة الأساسية في الواقع المعاصر في أن الاستعمار الأجنبي والأنظمة التي أنشأها في بلادنا قد أزاحت هيمنة الدين من واقعنا، لتحل محلها هيمنة الدولة، وعملت الدولة بكل طاقتها على أن يتحول الدين إلى شأن شخصي وطقوس شعائرية لا دخل لها في المجال العام، إلا أن يكون هذا التدخل في خدمة الدولة، وبالتالي يصير الدين خادما للدولة بدلا من أن تكون الدولة خادمة للدين.

15.          وحيث جرت إزاحة الدين فقد ارتكبت هذه الدولة الكثير من الجرائم في حق الأمة، ولكن هذه الجرائم كانت تُقَدَّم باعتبارها حداثةً وتطورًا وسياسات دنيوية. ومن هذه الجرائم التعدي على كرامة الناس وحريتهم بالتدخل المتغول في شؤونهم ومنعهم من التنقل ومن الزواج ومن التجارة ومن البناء ومن التدريس ومن أي نشاط بدون تصريح مسبق، وإجبارهم على أنشطة اقتصادية وتعليمية وثقافية تحددها هي، ومنها التعدي على أموال الله كالأوقاف وفرض الضرائب عليهم وهو عدوان على أموال الناس بغير حق، فضلا عن إشاعة الفاحشة والانحلال والتفلت الأخلاقي، وغير ذلك كثير. إلا أن المشكلة الأساسية أنه لا يمكن تقييم هذه الأفعال على أنها جرائم إلا بوجود الميزان الإسلامي، فإذا فُقِد هذا الميزان أو أزيح فإن هذه الأفعال تُصَوَّر باعتبارها سياسات حديثة!

16.          وهذه الدولة التي صنعها الاستعمار هي ذاتها وحدة في شبكة دولية أسس لها هذا الاستعمار الأجنبي وسمَّاها "النظام العالمي"، وفي هذا النظام العالمي يتجسد معنى الطغيان الذي حاربه الإسلام، فقد وضع المنتصرون بعد الحرب العالمية الثانية جملة من الوثائق والقواعد والنظم التي ترسخ هيمنتهم على العالم، وقدموها باعتبارها "النظام العالمي" و"الثقافة العالمية" و"القانون الدولي" و"الشرعية الدولية"، وأعطوا لأنفسهم حق معاقبة الخارج عليها بأنواع العقوبات التي تبدأ بعدم الاعتراف وتمر بالحصار وتنتهي بالاحتلال العسكري.

17.          بُني النظام السياسي الإسلامي على نظريته السياسية، وكان تطبيقا عمليا لها، وقد وقع فيه سائر ما يقع في أي عمل إنساني، وهو وجود مسافة بين التنظير والتطبيق ناتجة عن الخطأ والقصور الذي يصيب أي عملية بشرية، ولكنه مع ذلك ظل أفضل نموذج تطبيقي لتجربة سياسية في التاريخ {كنتم خير أمة أخرجت للناس}، وبينما تمثلت لحظته النموذجية في عصر النبوة ثم عصر الخلافة الراشدة، فقد بدأ النقصان التدريجي مع عصر الدول الأموية والعباسية والعثمانية، ثم انهار مع سقوط الخلافة الإسلامية (1924م).

18.          تمثلت أهم ملامح النظام السياسي الإسلامي في التطبيق العملي لكون الأمير وكيلا عن الشعب، يأتي لهذا المنصب باختيار الأمة وتفويضها، ويظل تحت مراقبتها ولها حق نصحه وتقويمه، وحق مقاومته وعزله إن خرج عن الشريعة، ومع أنه قد حصل انحراف مبكر لمسألة اختيار الحاكم، إلا أن ذلك لم يتحول أبدا إلى عمل مشروع في كتب الفقه والسياسة الشرعية بل ظل هو خلاف الأصل وجائزا للضرورة، ولم يستطع ملك أو سلطان مهما كانت إنجازاته أن يبدل الأساس العقدي –الفكري والنظري- فيجعل نفسه مكتمل الشرعية وقد جاء بالتغلب.

19.          كذلك تمثلت في كون النظام السياسي الإسلامي قد حقق أكبر قدر معروف من التمكين المجتمعي في أي نظام سياسي، لقد كان من آثار العبادات والمعاملات الإسلامية أن حققت تلاحما عظيما وقويا بين أبناء الأمة مما جعل الطغيان عليهم لا يقارن بالطغيان الذي وقع على أمم أخرى في فارس والهند والصين وأوروبا، ولم يوجد في العالم الإسلامي قط طبقية أو عبودية على النحو الذي وُجِد في الأمم الأخرى، بل ولا حتى وُجِد في الديمقراطية المعاصرة. لقد كانت الصلاة والزكاة والصيام والحج تزيد يوميا وشهريا وسنويا من التلاحم الإنساني بين عناصر الأمة، وكانت تعاليم صلة الرحم وحسن الجوار والتكافل والإنفاق بالصدقة وإقامة الأوقاف وعمل الخير وتقديم المعونة تزيد من التكتل الجغرافي والقبلي لأبناء الأمة ليكونوا مجتمعا متماسكا. وهذا كله يجعل الطغيان على هؤلاء والاستبداد عليهم عملية صعبة على أي مستبد، ومحفوفة بالمخاطر.

20.          وحقق النظام الإسلامي أكبر قدر معروف في تقليص صلاحيات السلطة، فلم تكن السلطة في الحضارة الإسلامية تتغول على أنشطة المجتمع العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يستطع حاكم مسلم مصادرة الأوقاف التي كانت تمثل تمويلا ذاتيا واستقلالا ماليا للمجتمع، كما أن ما فُرِض من الضرائب والمكوس في فترات ما لم يتمتع أبدا بالشرعية ولم يستقر لفترة طويلة، وظل المجتمع حتى في حالات الضعف والانهيار العسكري قادرا على مواصلة العطاء الحضاري.

21.          هذه الملامح العامة، التي نضطر لشرحها لعموم الجهل بها في الواقع المعاصر، ترسم ملامح النظام السياسي الذي نطمح إليه، فهو النظام الذي يقلص مساحات السلطة وتغولها، ويعيد تمكين المجتمع ويقويه، وهو ما يترتب عليه بالضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع الطبيعي للثروة، كما يتحقق به وقف التغول السلطوي على النشاط المجتمعي.

22.          وهذا النظام الذي نطمح إليه لا يمثل إنقاذا لأمتنا وحدها، بل نحن نقدمه لكل العالم إنقاذا لهم، ونرى أن كل مجهود المجتمع المدني في الديمقراطيات المعاصرة، وكل الأفكار التي قامت عليها النقابات والجمعيات الأهلية والأنشطة الاجتماعية لا تحقق جزءا بسيطا من التلاحم والتماسك الذي يحققه النظام الإسلامي، فنحن نؤمن أن هذا النظام ينقذ كل البشر من الاستبداد والطغيان الذي يهيمن عليهم، والذي يتزخرف ويتزين بشرعية شعبية وهمية من خلال عملية انتخابات مزيفة تجري تحت التحكم الكامل لأصحاب النفوذ والتأثير.

23.          وعلى هذا فالنظام السياسي الذي نأمله هو الذي تقل فيه صلاحيات السلطة إلى الحد الأدنى، ويزداد فيه تمكين المجتمع إلى الحد الأقصى، ونرى أن تطبيق القيم والنظام الإسلامي هو السبيل الوحيد الكفيل بالوصول إلى هذا الهدف.

24.          نرى أن السلطة السياسية يجب أن تتقلص إلى وزارات محدودة تنظم قطاعات: الجيش والشرطة والقضاء والمالية والخارجية. وهي القطاعات التي تقوم بمهمتي حفظ الأمن والدفاع وما يتعلق بهما. بينما يوكل تنظيم قطاعات التعليم والإعلام والثقافة والصحة والزراعة والصناعة وبقية النشاطات إلى العمل المجتمعي والأهلي والخيري.

25.          ومع ذلك، فإن القطاعات التي تتولاها السلطة لا تُنْتَزَع من المجتمع كلية، وإنما المجتمع مساند لها وداعم بمجهوده في وجودها، فمثلا:

-      الشعب يجب أن يكون مسلحا ومدربا، فانتشار التسليح والقدرة على استعماله يعصم الأمة من استبداد وطغيان الحكام في الداخل كما يجعل عملية احتلالهم الأجنبي عملية بالغة الصعوبة، ويساعد انتشار السلاح في استتباب الأمن وانخفاض الجريمة، وهذا يرفع عبئا كبيرا من أعباء الجيش والشرطة والقضاء.

-      وأعيان الشعب وزعماؤه يجب أن يكون لهم الحق في حل الخصومات والنزاعات من خلال القضاء العرفي والأهلي الذي يقضي بالشريعة، فهذا يعزز الأمن الاجتماعي ويقضي على كثير من أسباب التحايل وهضم الحقوق وبطء التقاضي.

26.          كما أن القطاعات التي يتولاها المجتمع، يمكن للسلطة أن تساهم فيها بالتوجيه والتخطيط والمشاركة لكن دون هيمنة واحتكار:

-      فيمكن للسلطة أن تبني المستشفيات وتنشيء المدارس والجامعات والأندية الرياضية والنشاطات الثقافية وغيرها، تنشيء ذلك وتموله من فائض الموارد المالية الشرعية التي ترد إليها.

-      كما يمكن أن تشير في كل هذه الأنشطة بالتوجيه والإرشاد لرؤوس الأموال نحو بناء مستشفى بعينها أو في مكان بعينه لحاجة المجتمع لذلك، أو الاستثمار في منطقة بعينها أو مجال بعينه. يمكن لخريطة اقتصادية تضعها السلطة أن تصنع التوازن بين مجالات النشاط الاجتماعي الذي يقوم به المجتمع نفسه.

27.          ويجب أن يكون واضحا أن من مهمات السلطة حراسة الدين ورعايته، ومن ضمن ذلك تعهدها بإقامة الشعائر ورعايتها كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، وهي أمور تزيد من تماسك المجتمع وصلابته.

28.          ولا يجوز للسلطة فرض ضرائب إطلاقا، فهذا من الكبائر في الإسلام، وهناك الكثير من البدائل التي يمكن بها سد عجز ضروري في الموارد كالاقتراض والمشاركات أو إعطاء مزايا بعينها لمن يستثمر في مجال ما لا تتشجع له رؤوس الأموال، فإن لم يكن فقد أجاز العلماء فرض الضرائب على الأغنياء دون الفقراء بقدر الحاجة والضرورة وبشكل استثنائي مؤقت.

29.          والسلطة بالأساس لا يحوزها إلا من اختارته الأمة بإرادتها الحرة، ولها الحق في نصحه ومحاسبته وعزله، وآليات الانتخاب والمراقبة والعزل متروكة لأهل الزمان والمكان طالما كان ذلك في إطار الشرع لا خارجا عنه. سواءٌ أطلق على هذا اسم "الديمقراطية" أو أي اسم آخر، فالعبرة بالمعاني والمسميات.

30.          استقلال الأمة وتحررها هو الهدف الأول والأكبر والأعظم أمام كل مشروع تغيير، ولا يمكن تحقيق أدنى تمكين قبل تحقيق هذا الاستقلال، الاستقلال السياسي والاقتصادي، وهذا الاستقلال السياسي والاقتصادي لا يمكن أن يتم دون قوة العقيدة والفكرة المهيمنة على عموم الأمة –وفي الطليعة منها: العاملون والقادة- ولا يمكن أن يتم دون قوة عسكرية تنتزع هذا الاستقلال انتزاعا ثم تحميه وتحرسه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف11:50 ص

    وفقك الله وزادك علما وحكمة

    ردحذف
  2. غير معرف11:30 م

    كلام نظري مستحيل ولا يجيب على أهم سؤال وهو كيف نقيم النظام الاسلامي في ظل هيمنة النظام العالمي وما لم تتم الاجابة عليه فالاحلام النظرية كلها هراء

    ردحذف